للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى} أي: نرشده لأسباب الخير، والصلاح؛ حتى يسهل عليه فعلها. وقال زيد ابن أسلم-رحمه الله تعالى-: {لِلْيُسْرى} للجنة. وفي الصحيحين، والترمذي عن علي-رضي الله عنه-قال: كنا في جنازة بالبقيع، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجلس، وجلسنا معه، ومعه عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء، فقال: «ما من نفس منفوسة إلاّ قد كتب مدخلها». فقال القوم: يا رسول الله! أفلا نتكل على كتابنا؛ فمن كان من أهل السعادة؛ فهو يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاوة؛ فإنه يعمل للشقاوة؟! قال: «بل اعملوا، فكلّ ميسّر، أمّا من كان من أهل السعادة، فإنه ييسّر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة، فإنّه ييسّر لعمل الشقاء، ثم قرأ {فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى»}. وسأل غلامان شابان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالا: العمل فيما جفّت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم في شيء يستأنف؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير». قالا: ففيم العمل؟! قال: «اعملوا فكلّ ميسّر لعمله الذي خلق له». قالا:

فالآن نجدّ ونعمل. وانظر ما ذكرته في سورة (هود) رقم [١٠٥]، وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكا تلفا». أخرجه مسلم، وغيره. وروي من حديث أبي الدرداء-رضي الله عنه-أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما من يوم غربت شمسه إلا بعث بجنبتها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلّهم إلا الثقلين: اللهمّ أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا». فأنزل الله تعالى ذلك في القرآن {فَأَمّا مَنْ أَعْطى..}. إلخ الآيات. انتهى. قرطبي.

هذا؛ و (اتقى) أصله (اوتقى) قلبت الواو تاء، وأدغمت التاء في التاء، مثل: اتصل، أصله:

أوتصل، واتقى ماض من التقوى، وهي حفظ النفس من العذاب الأخروي بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه؛ لأن أصل المادة من الوقاية، وهي: الحفظ، والتحرز من المهالك في الدنيا، والآخرة. وانظر ما وصف الله به المتقين في أول سورة (البقرة).

الإعراب: {فَأَمّا:} انظر سورة (الضحى). {مَنْ:} اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {أَعْطى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف في محل جزم فعل الشرط، والفاعل يعود إلى {مَنْ،} تقديره: «هو»، وحذف مفعولاه. قال ابن هشام في المغني:

ويجوز حذف مفعولي {أَعْطى،} نحو: {فَأَمّا مَنْ أَعْطى} وثانيهما فقط، نحو: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} سورة (الضحى) وأولهما فقط، خلافا للسهيلي، نحو {حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} سورة (التوبة) رقم [٢٩]. وينبغي أن تعلم: أنه لا يحذف المفعولان، أو أحدهما إلا إذا دل دليل على ذلك.

قال ابن مالك رحمه الله في ألفيته: [الرجز]

<<  <  ج: ص:  >  >>