للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سورة المزّمّل

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة (المزمل) مكية كلها في قول الحسن، وعكرمة، وعطاء، وجابر. وقال ابن عباس، وقتادة: إلا آيتين منها: {وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ..}. إلخ، والتي تليها، ذكره الماوردي. وقال الثعلبي: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} إلى آخر السورة، فإنه نزل بالمدينة. انتهى. قرطبي.

وما قاله الثعلبي هو الصحيح، والمعتمد. وما نسب إلى ابن عباس-رضي الله عنهما-فهو ضعيف؛ لأن الأمر بالصبر، والهجر الجميل كان في مكة، وليس في المدينة، فليتأمل، وهي عشرون آية، ومئتان وخمس وثمانون كلمة، وثمانمئة، وثمانية وثلاثون حرفا. انتهى. خازن.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ اُنْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمزمل: المتلفف بثيابه، يقال: تزمل بثوبه، أي: التف به، وتغطى، وزمل غيره: غطاه، وهو بكسر الميم اسم فاعل، وبفتحها اسم مفعول. قال امرؤ القيس في معلقته رقم [٨٨]: [الطويل]

كأنّ ثبيرا في عرانين وبله... كبير أناس في بجاد مزمّل

و {الْمُزَّمِّلُ} أصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي، ومثله: {الْمُدَّثِّرُ} معنى، وأصلا.

وخطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الوصف، فيه تأنيس، وملاطفة له صلّى الله عليه وسلّم. قال السهيلي: في خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاحظة، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب، وترك معاتبته سمّوه، ونادوه باسم مشتق من حالته، التي هو عليها، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي-رضي الله عنه-حين غاضب فاطمة-رضي الله عنها-، وقد نام، ولصق بجنبه التراب: «قم أبا تراب». إشعارا بأنه ملاطف له، وغير عاتب عليه، وصار ذلك لقبا له من أحب ألقابه، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لحذيفة -رضي الله عنه-: «قم يا نومان». وكان نائما ملاطفة له، وإشعارا بترك العتب، وكان ذلك في الخندق. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل، وذكر الله تعالى فيه؛ لأنه الاسم المشتق من الفعل. ويشترك فيه المخاطب، وكل من اتصف بتلك الصفة. وسبب هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>