سورة (المزمل) مكية كلها في قول الحسن، وعكرمة، وعطاء، وجابر. وقال ابن عباس، وقتادة: إلا آيتين منها: {وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ..}. إلخ، والتي تليها، ذكره الماوردي. وقال الثعلبي: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ} إلى آخر السورة، فإنه نزل بالمدينة. انتهى. قرطبي.
وما قاله الثعلبي هو الصحيح، والمعتمد. وما نسب إلى ابن عباس-رضي الله عنهما-فهو ضعيف؛ لأن الأمر بالصبر، والهجر الجميل كان في مكة، وليس في المدينة، فليتأمل، وهي عشرون آية، ومئتان وخمس وثمانون كلمة، وثمانمئة، وثمانية وثلاثون حرفا. انتهى. خازن.
الشرح:{يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمزمل: المتلفف بثيابه، يقال: تزمل بثوبه، أي: التف به، وتغطى، وزمل غيره: غطاه، وهو بكسر الميم اسم فاعل، وبفتحها اسم مفعول. قال امرؤ القيس في معلقته رقم [٨٨]: [الطويل]
كأنّ ثبيرا في عرانين وبله... كبير أناس في بجاد مزمّل
و {الْمُزَّمِّلُ} أصله المتزمل، فأدغمت التاء في الزاي، ومثله:{الْمُدَّثِّرُ} معنى، وأصلا.
وخطاب النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الوصف، فيه تأنيس، وملاطفة له صلّى الله عليه وسلّم. قال السهيلي: في خطابه بهذا الاسم فائدتان: إحداهما الملاحظة، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب، وترك معاتبته سمّوه، ونادوه باسم مشتق من حالته، التي هو عليها، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي-رضي الله عنه-حين غاضب فاطمة-رضي الله عنها-، وقد نام، ولصق بجنبه التراب:«قم أبا تراب». إشعارا بأنه ملاطف له، وغير عاتب عليه، وصار ذلك لقبا له من أحب ألقابه، وكذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم لحذيفة -رضي الله عنه-: «قم يا نومان». وكان نائما ملاطفة له، وإشعارا بترك العتب، وكان ذلك في الخندق. والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله ليتنبه إلى قيام الليل، وذكر الله تعالى فيه؛ لأنه الاسم المشتق من الفعل. ويشترك فيه المخاطب، وكل من اتصف بتلك الصفة. وسبب هذا