الميت، وأبرأ الأكمه، والأبرص، وخلق من الطّين طيرا، فادّعت النصارى فيه الإلهية، وقالوا:
ما قدر على ذلك إلا أنّه إله. فردّ الله تعالى عليهم بذلك، وأخبر: أنّ الإله المستحقّ لهذا الاسم هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء، وأنّه المصور في الأرحام كيف يشاء، وأنّ عيسى عليه السّلام صوّره الله في الرّحم، فنبه بكونه مصورا في الرّحم على أنّه عبد مخلوق كغيره، وأنّه يخفى عليه ما لا يخفى على الله، عزّ، وجلّ.
{لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} أي: لا خالق، ولا مصوّر إلا الله، وذلك دليل وحدانيته، فكيف يكون عيسى إلها مصوّرا، وهو مصوّر. {الْعَزِيزُ:} القوي الغالب؛ الذي لا يغالب. {الْحَكِيمُ:} المحكم، أو ذو الحكمة. هذا؛ ولا يصلح مكان الاسمين الكريمين هنا:(الغفور الرحيم) ونحوهما.
الإعراب:{هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السّكون في محل رفع خبره. {يُصَوِّرُكُمْ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى الله، وهو العائد، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {فِي الْأَرْحامِ:} متعلقان بما قبلهما، {كَيْفَ:} اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من فاعل {يَشاءُ} بعده. {يَشاءُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ} ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية في محل نصب حال من فاعل:{يُصَوِّرُكُمْ} أو من مفعوله، هذا وذكر الجمل نقلا عن السّمين: أنّ {كَيْفَ} أداة شرط وتعليق، وذكره ابن هشام في المغني، وذكرته أنا في سورة (الغاشية)، وأرى: أنّ تعليق الجملة بحرف جرّ محذوف-التقدير: يصوركم في الأرحام بكيفية يشاؤها-هو الأولى، والأقوى. {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ:} انظر الآية رقم [٢] فالإعراب مثله، والجملة هنا مستأنفة لا محلّ لها.
الشرح:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ:} القرآن. والخطاب لسيّد الخلق، وحبيب الحقّ صلّى الله عليه وسلّم.
{مِنْهُ:} من القرآن. {آياتٌ مُحْكَماتٌ:} مبيّنات، مفصّلات، واضحات الدّلالة، أحكمت عبارتها من احتمال التأويل، والاشتباه، وحفظت من الإجمال، والاحتمال، سمّيت: محكمة من الإحكام، كأنّه تعالى أحكمها، فمنع الخلق من التّصرّف فيها؛ لظهورها، ووضوح معناها.
{هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ:} أصله؛ الذي يرجع إليه في الأحكام، ويعمل به في الحلال، والحرام، فلا يحتجن إلى تأويل. والقياس: أمهات بالجمع، فأفرد إما لأنّ المعنى: كلّ واحدة منهنّ، وإما