للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعراب: {بِما تَعِدُنا} في الآية رقم [٣٢] وقد مر معنا كثير مثلها، وجملة: {فَلا تَبْتَئِسْ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا علمت: أنه لن يؤمن من قومك

فلا تبتئس... إلخ، و (إذا) المقدرة ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.

{وَاِصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧)}

الشرح: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا}: والخطاب لنوح عليه السّلام، أي: اعمل السفينة التي ستنجو فيها أنت، ومن آمن معك، وإنك بحفظنا، ورعايتنا، وحراستنا، وبمرأى منا وحيث نراك، فعبر عن الرؤية بالأعين؛ لأن الرؤية تكون بها، كما عبر عن القدرة باليد في قوله تعالى:

{يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} لأنها آلة القدرة، وهذا؛ ونحوه من الألفاظ التي يجب تأويلها بما يتناسب معها، فإنها من المتشابهات التي توهم خلاف ما ينبغي بحقه تعالى من حدوث وغيره، وجمع «الأعين» للتعظيم لا للتكثير، وانظر (نا) في الآية رقم [٨] {وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا}:

ولا تراجعني فيهم، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم. {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} أي: محكوم عليهم بالغرق في قديم الأزل، فلا سبيل إلى دفعه عنهم.

هذا؛ و {الْفُلْكَ} بضم الفاء وسكون اللام: هي السفينة التي استقلها نوح عليه السّلام بمن آمن معه، وهي أول سفينة وجدت في الدنيا، ومن تصميمها وشكلها أخذت البشرية تصنع السفن، وتتطور جيلا بعد جيل، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في العصر الحاضر، هذا؛ والفلك يطلق على المفرد والجمع، وعلى المؤنث والمذكر، قال تعالى: {فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} فأفرد وذكر، وقال تعالى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ} فأنث، ويحتمل الإفراد والجمع، وقال جل شأنه: {حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} فجمع، وكأنه يذهب بها إذا كانت واحدة إلى المركب، فتذكّر وإلى السفينة فتؤنث، وقد ألغز الشاعر فيها فقال: [الطويل]

مكسّحة تجري، ومكفوفة ترى... وفي بطنها حمل على ظهرها يعلو

فإن عطشت عاشت، وعاش جنينها... وإن شربت ماتت، وفارقها الحمل

هذا؛ و (الفلك) بفتحتين: مدار النجوم، ويجمع على «فلك» بضم الفاء وسكون اللام وضمها أيضا وعلى «أفلاك»، والفلك من كل شيء مستداره ومعظمه، والفلكي منسوب إلى علم الفلك، وانظر شرح (العين) في الآية رقم [٣١] و {ظَلَمُوا} أي: أنفسهم بالكفر، ومخالفة الواحد القهار، وانظر الظلم في الآية رقم [٢٣] من سورة (يونس).

الإعراب: {وَاصْنَعِ}: (اصنع): أمر، وفاعله تقديره: «أنت». {الْفُلْكَ}: مفعول به.

{بِأَعْيُنِنا}: متعلقان بمحذوف حال من {الْفُلْكَ} أي: مصنوعا بأعيننا، أو من الفاعل المستتر، التقدير: محفوظا برعايتنا... إلخ، و (نا): في محل جر بالإضافة. (وحينا): معطوف على ما

<<  <  ج: ص:  >  >>