الشرح:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ} أي: اقرأ يا محمد على قومك خبر نوح مع قومه. {إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ}: حين قال نوح لقومه الذين بعث إليهم داعيا ومنذرا. {إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ} أي: إن كان عظم وشق عليكم طول مقامي بينكم، وذلك؛ لأنه عليه الصلاة والسّلام. أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى، ويذكرهم بآيات الله، ويقدم لهم المواعظ، والنصح، والإرشاد، فلم يزدادوا إلا عتوا، ونفورا. {فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ}:
اعتمدت وفوضت أمري إليه، فهو حسبي، وثقتي، وملجئي، وملاذي.
{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ}: ما أشبه هذا القول بقول هود عليه السّلام: {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ}: يقال: أجمع الأمر: إذا عزم عليه، والأمر مجمع، ويقال أيضا: اجمع أمرك، ولا تدعه منتشرا، وقال تعالى حكاية عن قول فرعون وأشياعه:{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا،} ولا يقال: أجمع أعوانه وشركاءه، وإنما يقال: جمع أعوانه وأصدقاءه، وهذا مبني على قاعدة:
(يقال: أجمع في المعاني، وجمع في الأعيان)، هذا هو الأكثر والمستعمل، وقد يستعمل كل واحد مكان الآخر، قال تعالى:{فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى} انظرها برقم [٦٠] من سورة (طه)؛ تجد ما يسرك حيث تجدها مؤولة؛ لذا فإن التقدير في الآية:{فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ،} وادعوا شركاءكم مع العلم: أنه قد قرئ برفع «شركاؤكم» وانظر الإعراب. {ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} أي: لا يكن ما أجمعتم عليه من كيدي أمرا مستورا، بل اجعلوه ظاهرا مكشوفا، أو المعنى: لا يكن حالكم عليكم غما إذا أهلكتموني، وتخلصتم من ثقل مقامي بينكم، وتذكيري لكم، هذا؛ والغمة أيضا:
الكربة، والغم: الكرب، وانظر (الهم) في الآية رقم [١٣](التوبة). {ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ}: امضوا بما في أنفسكم من مكروه، وما توعدوني به من قتل، وطرد، وافرغوا منه. {وَلا تُنْظِرُونِ} أي:
لا تؤخروني ولا تمهلوني.
وهذا الكلام من نوح عليه السّلام على طريق التعجيز لهم، فقد أخبر الله تعالى عنه: أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله، وأنه كان واثقا بنصره إياه، غير خائف من كيدهم، علما منه بأنهم وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر، وأن مكرهم لا يصل إليه. انتهى. خازن.