الشرح:{كَلاّ:} ردع، وزجر عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: ارتدعوا عن ذلك، وتنبهوا على ما بين أيديكم من الموت؛ الذي تنقطع عنده العاجلة عنكم، وتنتقلون إلى الآجلة، التي تبقون فيها مخلدين. {إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ:} الفاعل يراد به الروح، أي: إذا بلغت الروح التراقي. فأخبر عما لم يجر له ذكر لعلم المخاطب به. ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (الواقعة): {فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ،} وقوله تعالى في سورة (ص) رقم [٣٢]: {حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ،} وقوله تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} رقم [٤٤]، وفي سورة (لقمان) رقم [١٦]، وسورة (النساء) رقم [٤٠]. ومثل هذه الآيات قول حاتم الطائي:[الطويل]
لعمرك ما يغني الثّراء عن امرئ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر
وأيضا قول سوار بن المضرب السعدي-وهو الشاهد رقم [١٩١] من كتابنا: «فتح رب البرية» - يخاطب به الحجاج حين فرض البعث مع المهلب بن أبي صفرة لقتال الخوارج:[الطويل]
إذا كان لا يرضيك حتّى تردّني... إلى قطريّ لا إخالك راضيا
{التَّراقِيَ:} جمع: ترقوة، وهي العظام المكتنفة لنقرة النحر، وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر، وهو موضع الحشرجة، التي رأيتها في بيت حاتم، ومنه قول دريد بن الصمة:[الوافر]
وربّ عظيمة دافعت عنهم... وقد بلغت نفوسهم التّراقي
وقد يكنى عن الإشفاء على الموت ببلوغ النفس التراقي، والمقصود تذكيرهم شدة الحال عند نزول الموت. {وَقِيلَ مَنْ راقٍ} أي: من راق يرقي، أي: يشفي من الموت. قاله ميمون بن مهران، وأبو قلابة، وقتادة، وابن عباس-رضي الله عنهم أجمعين-. ومنه قول الشاعر:[البسيط]
هل للفتى من بنات الدّهر من واق؟ ... أم هل له من حمام الموت من راق؟
وقيل: هذا من قول الملائكة، الذين يحضرونه عند الموت، يقول بعضهم لبعض: من يرقى بروحه، إذا خرجت من جسده، فيصعد بها ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب. وعن ابن عباس -رضي الله عنه-أنه من: رقي يرقى: إذا صعد. هذا؛ وعلى التفسير الأول ف:{راقٍ} اسم فاعل من: رقى، يرقي بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع. وعلى التفسير الثاني فهو من: رقي، يرقى بالكسر في الماضي، والفتح في المضارع.
هذا؛ و {راقٍ} أصله: راقي، أو راقي بضمة على الياء علامة للرفع، أو بكسرة علامة للجر، وبتنوين الصرف، لكن استثقلت الضمة، أو الكسرة على الياء بعد كسرة، فسكنت الياء، فالتقى