ساكنان: الياء والتنوين، فحذفت الياء لعلة الالتقاء، وبقيت القاف على ما كانت عليه قبل الإعلال، فقيل: راق بالكسر، وإنما لم يقل بالرفع؛ لأن الياء محذوفة لعلة الالتقاء، فهي كالثابتة، فتمنع الرفع للقاف، وهكذا قل في إعلال كل اسم منقوص مجرد من «أل» والإضافة، سواء أكان ثلاثيا، أم رباعيا؟.
{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ} أي: أيقن من بلغت روحه التراقي. ولم يتقدم له ذكر أيضا، وإنما فهم من فحوى الجملة السابقة، والمراد ب: {الْفِراقُ} فراقه الدنيا، والأهل، والمال، والولد، وذلك حين عاين الملائكة. قال الشاعر: [الوافر]
فراق ليس يشبهه فراق... قد انقطع الرّجاء عن التلاق
{وَالْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ} أي: فاتصلت الشدة بالشدة، شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة. قاله ابن عباس، والحسن، وغيرهما. وقال الشعبي، وغيره: المعنى التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب. وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى.
وقال الضحاك، وابن زيد: اجتمع عليه أمران شديدان، الناس يجهزون جسده، والملائكة يجهزون روحه. والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن، والشدائد العظام، ومنه قولهم: قامت الدنيا على ساق، وقامت الحرب على ساق، استعارة لشدتها. قال الشاعر: [الرجز]
صبرا أمام إنه شرّ باق... وقامت الحرب بنا على ساق
وانظر ما ذكرته في سورة (القلم) رقم [٤٢]. وقال قوم: الكافر تعذب روحه عند خروج نفسه، فهذه الساق الأولى، ثم يكون بعدها ساق البعث، وشدائده. {إِلى رَبِّكَ:} إلى خالقك.
{يَوْمَئِذٍ} أي: يوم القيامة. {الْمَساقُ} أي: مرجع العباد إلى الله تعالى، يساقون إليه؛ ليفصل بينهم. وفي بعض التفاسير قال: يسوقه ملكه الذي كان يحفظ عليه السيئات. هذا؛ والمساق:
المصدر من: ساق، يسوق، مثل: المقال من قال، يقول، فهما مصدران ميميّان.
الإعراب: {كَلاّ:} حرف ردع، وزجر. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {بَلَغَتِ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل محذوف، يدل عليه المقام، كما رأيت في الشرح. {التَّراقِيَ:}
مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على المشهور المرجوح. {وَقِيلَ:}
الواو: حرف عطف. (قيل): فعل ماض مبني للمجهول. {مَنْ:} اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {راقٍ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، والجملة الاسمية في محل رفع نائب فاعل (قيل) أفاده ابن هشام في مغنيه، وهذا يكون جاريا على القاعدة العامة: «يحذف الفاعل، ويقام المفعول به مقام الفاعل» وهذا لا غبار عليه، وقد ذكرت لك مرارا: أن بعضهم يعتبر نائب الفاعل ضميرا مستترا تقديره: