للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالَ اِرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)}

الشرح: {وَقالَ} أي: الله، أو نوح عليه السّلام. {اِرْكَبُوا فِيها} أي: ادخلوها، وجعل ذلك ركوبا؛ لأنها في الماء كالمركوب في الأرض، والركوب: العلو على ظهر الشيء، ويقال:

(ركبه الدين) على طريق الاستعارة التصريحية. {مَجْراها وَمُرْساها}: يقرءان بفتح الميم على أنهما اسما زمان، أو مكان، أو هما مصدران، ويقرءان بالفتح الخالص وبالإمالة كما يقرءان بضم الميم والكسر الخالص على أنهما اسما فاعل. {إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ} أي: لمن أذنب، و {رَحِيمٌ} بعباده التائبين، فهما صيغتا مبالغة.

بعد هذا فاسم: قد اختلف العلماء في اشتقاقه؛ انظر البسملة في أول سورة (يوسف)، عليه وعلى نبينا، ألف صلاة، وألف سلام.

ولعلك تدرك معي أيها القارئ الكريم: أن نوحا عليه السّلام لم ينطق بالرحمن الرحيم لتفهم: أن البسملة بكاملها إنما هي من خصائص أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهناك أحاديث شريفة كثيرة تحث على ابتداء كل عمل بالبسملة الشريفة، وتبين فضلها وشرفها وما لقائلها من ثواب عظيم وأجر كبير، وقد ذكرت بعضها في شرح البسملة المذكور.

تنبيه: قال عكرمة: ركب نوح عليه السّلام في الفلك لعشر خلون من رجب، واستوت على الجودي لعشر خلون من المحرم، فذلك ستة أشهر، وقال قتادة وزاد: وهو يوم عاشوراء، فقال لمن كان معه: «من كان صائما فليتم صومه، ومن لم يكن صائما فليصمه»، وذكر الطبري في هذا حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن نوحا ركب في السفينة أول يوم في رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة، إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجودي، فصامه نوح ومن معه». انتهى. قرطبي. وأضيف أن السفينة مرت بالبيت الحرام، وقد رفعه الله من الغرق، وبقي موضعه، فطافت السفينة به سبعا، وأودع الحجر الأسود جبل أبي قبيس وبقي فيه حتى بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام الكعبة، فأخذ إبراهيم الحجر من أبي قبيس، ووضعه مكانه.

الإعراب: {وَقالَ}: الواو: حرف استئناف. (قال): ماض، وفاعله يعود إلى الله، أو إلى نوح. {اِرْكَبُوا}: أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق. {فِيها}:

متعلقان بالفعل قبلهما، وقيل: (في) زائدة، والضمير (ها) مفعول به، والتقدير: اركبوها، فهو على حد قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ}. {بِسْمِ}: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، التقدير: اركبوا مسمين الله، أو قائلين: باسم الله. {مَجْراها}: على اعتباره ظرف زمان أو مكان هو متعلق بالحال المحذوفة، أي: وقت إجرائها، أو مكان إجرائها على حد (أتيتك مقدم الحاج) أو (آتيك خفوق النجم)، وعلى اعتباره مصدرا فهو فاعل بمتعلق

<<  <  ج: ص:  >  >>