يا نفس ما لك دون الله من واق... ولا لسبع بنات الدّهر من راق
أي: إذا تجاوزت وقاية الله، ولم تناليها لم يقك غيره. ويأتي (دون) بمعنى قدّام، قال الأعشى: [الطويل]
تريك القذى من دونها وهي دونه... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق
و (دون) نقيض: فوق، وهو تقصير عن الغاية، ويكون اسم فعل أمر، كقولك: دونك الدّرهم؛ أي: خذه، ويكون ظرفا، وهو الأصل فيه، والدون: الحقير، الخسيس، قال الشاعر: [المتقارب]
إذا ما علا المرء رام العلا... ويقنع بالدّون من كان دونا
الإعراب: {إِنْ:} حرف نفي بمعنى «ما». {يَدْعُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها.
{مِنْ دُونِهِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء في محل جر بالإضافة. {إِلاّ:} حرف حصر.
{إِناثاً:} مفعول به، وجملة: {وَإِنْ يَدْعُونَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها.
وقال الجمل: الجملتان بمنزلة التّعليل لما قبلهما. تأمّل، وتدبّر، وربّك أعلم، وأجل، وأكرم.
{لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨)}
الشرح: {لَعَنَهُ اللهُ:} أبعده من رحمته، وطرده من جنّته، وانظر الآية رقم [٥٢].
{وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ:} أي: لأجعلنّ لي. {مِنْ عِبادِكَ:} (عباد) جمع: عبد، وهو الإنسان حرّا كان أو رقيقا، ويقال للملوك: عبد قن، وله جموع كثيرة، أشهرها عبيد، وعباد، وعبدان، وعبدة، والإضافة في نحو قوله تعالى: {قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا..}. إلخ إضافة تشريف، وتكريم، وذكر العبودية مقام عظيم، ولو كان للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم اسم أشرف منه، وأعظم؛ لسمّاه به حينما أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث قال جلّ ذكره: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ}.
وفي معناه أنشدوا: [السريع]
يا قوم قلبي عند زهراء... يعرفه السّامع والرّائي
لا تدعني إلاّ بيا عبدها... فإنّه أشرف أسمائي
{نَصِيباً:} حظّا مقطوعا واجبا لي، وهذا النصيب المقطوع هم الذين يتبعون خطواته، ويقبلون وساوسه، وهم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف، فيدخل الجنّة من كلّ ألف واحد، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما أنتم فيمن سواكم إلاّ كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود». ويعضده قوله