حاله بصورة حال من خر من السماء، فاختطفته الطير متفرقا موزعا في حواصلها، أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض الأماكن البعيدة. وإن كان مفرقا؛ فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء، والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلالة بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المهلكة.
هذا؛ و {الطَّيْرُ} اسم جمع، مثل: غنم، وخيل، وقيل: بل هو جمع طائر، مثل: صحب، وصاحب، ويصح إطلاقه على المفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث، وجمع الطير:
طيور، وأطيار، مثل فرخ، وفروخ، وأفراخ. وقال قطرب، وأبو عبيدة: الطير قد يقع أيضا على الواحد، كما في قوله تعالى:{فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ} وطائر الإنسان: عمله الذي قلّده، قال تعالى:{وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}. والطير أيضا: الاسم من التطير، ومنه قولهم:
لا طير إلاّ طير الله. كما يقال: لا أمر إلاّ أمر الله. انتهى. مختار الصحاح.
الإعراب:{حُنَفاءَ:} حال من واو الجماعة. {لِلّهِ:} متعلقان به. {غَيْرَ:} حال ثانية فيها معنى التوكيد، و {غَيْرَ} مضاف و {مُشْرِكِينَ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض من التنوين في الاسم المفرد. {بِهِ:} متعلقان بمشركين؛ لأنه جمع اسم فاعل، ففاعله مستتر فيه. {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ:} مثل: {وَمَنْ يُعَظِّمْ..}.
إلخ. {فَكَأَنَّما:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (كأنما): كافة ومكفوفة. {خَرَّ:} ماض، وفاعله يعود إلى (من) وهو بمعنى: «يخر» ليصح العطف عليه. {مِنَ السَّماءِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وجملة:(كأنما...) إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول:
لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد. وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه، كما في الآية السابقة، والجملة الاسمية:{وَمَنْ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. {فَتَخْطَفُهُ:} الفاء: حرف عطف. (تخطفه): مضارع، والهاء مفعول به. {الطَّيْرُ:} فاعله. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {أَوْ:} حرف عطف. {تَهْوِي:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعة ضمة مقدرة على الواو. {بِهِ:} متعلقان بما قبلهما. {الرِّيحُ:} فاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها أيضا. {فِي مَكانٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {سَحِيقٍ:} صفة {مَكانٍ}.
الشرح:{ذلِكَ:} الإشارة إلى ما ذكر في الآيتين السابقتين من اجتناب الرجس، وقول الزور... إلخ. {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ:} جمع شعيرة، أو شعارة: وهي كل شيء لله تعالى فيه أمر، أشعر به، وأعلم، فشعائر الله: أعلام دينه؛ لا سيما ما يتعلق بالمناسك، لذا فسرت