للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)}

الشرح: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ:} بيان لما ترى تقديمه للمهادنة، والموادعة. والمعنى:

إني مرسلة رسلا بهدية أدفعه بها عن ملكي. {فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} أي: ما يقولونه عن حال هذا الرجل حتى أعمل بحسب ذلك. وهذا يدل على كمال عقلها، وحسن تدبيرها. وقالت في نفسها: إن كان ملكا؛ قبل الهدية، واتخذت عنده يدا، وإن كان نبيا؛ لم يقبل إلا الاتباع لدينه، والانقياد لطاعته، وأوامره. قال قتادة: يرحمها الله أن كانت لعاقلة في إسلامها، وشركها، قد علمت: أن الهدية تقع موقعا من الناس.

فبعثت إليه خمسمئة غلام عليهم ثياب الجواري وحليهنّ، راكبي خيل مغشاة بالديباج، محلاة اللجم، والسروج بالذهب المرصع بالجواهر، وخمسمئة جارية على براذين في زيّ الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة، وتاجا مكللا بالدر، واليواقيت، وحقّا فيه درة عذارء؛ أي غير مثقوبة، وخرزة معوجة الثقب، وبعثت رسلا، وأمرت عليهم المنذر بن عمرو، وكتبت كتابا إلى سليمان، وذكرت فيه أنواع الهدايا، وقالت: إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء، والوصائف، وأخبر بما في الحق، واثقب الدرة ثقبا، واسلك في الخرزة خيطا، ثم قالت للمنذر: إن نظر إليك نظر غضبان؛ فهو ملك، فلا يهولنّك منظره، وإن رأيته بشاشا لطيفا؛ فهو نبي، فأقبل الهدهد، وأخبر سليمان الخبر كله.

فأمر سليمان-على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-الجنّ، فضربوا لبنات الذهب والفضة، وفرشوها في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطا، شرفه من الذهب، والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر، فربطوها عن يمين الميدان، ويساره على اللبنات، وأمر بأولاد الجن، وهم خلق كثير، فأقيموا على اليمين، واليسار، ثم قعد على سريره، والكراسي من جانبيه، واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ، والإنس صفوفا فراسخ، والوحش، والسباع، والطيور، والهوام كذلك.

فلما دنا رسل بلقيس، ورأوا الدواب تروث على اللّبن، رموا بما معهم من الهدايا، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم سليمان بوجه طلق، فأعطوه كتاب الملكة، فنظر فيه، وقال: أين الحقّة؟ فأمر الأرضة، فأخذت شعرة، ونفذت في الدرة، وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها، ونفذت فيها، ودعا بالماء، فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها، فتجعله في الأخرى، ثم تضرب به وجهها، والغلام يأخذ الماء بيديه، ويغسل به وجهه، فميز بين الغلمان، والجواري بذلك. ثم رد الهدية، وقال للمنذر: ارجع إليهم. انتهى. نسفي بحروفه. وهو موجز ما في الخازن، والقرطبي، والكشاف. والله ولي التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>