للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرآن، ومحمد صلّى الله عليه وسلّم. وهذا يسمّى في البلاغة: احتراسا؛ إذ لولاه؛ لدخل الجنّة كلّ من عمل صالحا في الدّنيا، من مسلم، ويهوديّ، ونصرانيّ، لكن هذا الشّرط يخرج غير المسلمين، ويحرمهم من دخول الجنّة. {فَأُولئِكَ} أي: الذين يعملون الصالحات، وهم مؤمنون. {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً:} بنقص شيء من الثّواب، ولا بزيادة شيء من العقاب؛ لأنّ المجازي أحكم الحاكمين، ولا يظلم أحدا بمثقال ذرّة، كما رأيت في الآية رقم [٤٠] وانظر شرح «النّقير» في شرح الآية رقم [٤٩]. هذا؛ وروعي لفظ ({مَنْ}) في أوّل الآية، وروعي معناه في آخرها.

الإعراب: {وَمَنْ يَعْمَلْ:} انظر الآية السابقة. {مِنَ الصّالِحاتِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وهما في محل نصب مفعول به. {مِنْ ذَكَرٍ:} متعلقان بمحذوف حال من فاعل: {يَعْمَلْ} المستتر، و ({مَنْ}) بيان لما أبهم في: ({مَنْ}). {أَوْ أُنْثى:} معطوف على: {ذَكَرٍ} مجرور مثله، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف للتعذر. {وَهُوَ مُؤْمِنٌ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية في محل نصب حال من الفاعل المستتر أيضا، والرابط: الواو، والضمير. {فَأُولئِكَ:} الفاء:

واقعة في جواب الشّرط. (أولئك): اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ، والكاف حرف خطاب لا محلّ له. {يَدْخُلُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: (أولئك...) إلخ في محل جزم جواب الشرط... إلخ، وانظر تتمة الكلام في الآية السابقة. {الْجَنَّةَ:} منصوب على الظرفية المكانية عند بعض النّحاة، وفي مقدّمتهم سيبويه، والمحقّقون، وعلى رأسهم الأخفش ينصبونه على التوسّع في الكلام بإجراء اللازم مجرى المتعدّي، ومثل ذلك قل في: «دخلت المدينة، ونزلت البلد، وسكنت الشام» وأيضا قوله تعالى: {اِهْبِطُوا مِصْراً} وهذا إذا كان الفعل ثلاثيّا، وأمّا إذا كان رباعيّا؛ فانظره في الآية رقم [٥٧].

{وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): نافية. {يُظْلَمُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول، والواو نائب فاعله. {نَقِيراً:} مفعول به ثان، وهو على تقدير مضاف؛ أي: لا يظلمون بمقدار النّقير. وقيل: هو تمييز، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل رفع مثلها.

{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاِتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاِتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)}

الشرح: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ} أي: لا أحد أحسن دينا ممّن انقاد لأمر الله، وشرعه، وأخلص عمله لله تعالى، وأقبل بكلّيته عليه. وخصّ الوجه بالذّكر؛ لأنّه أشرف الأعضاء الظّاهرة، وفيه أكثر الحواس، ولأنّه موضع السجود، ومظهر آثار الخشوع، والخضوع، وفيه يظهر العزّ، والإذلال، والفرح، والحزن، والسّرور، والغمّ، وغير ذلك، والعرب تخبر

<<  <  ج: ص:  >  >>