الآية قولان: أحدهما: أنّه كناية عن الجماع، وهو قول ابن عباس-رضي الله عنهما-، فإنّه قال: الإفضاء في هذه الآية: الجماع، ولكنّ الله كريم يكني. وهو قول مجاهد، والسّدي، واختيار الزجّاج، وابن قتيبة. وهو مذهب الشّافعي؛ لأنّ عنده أنّ الزّوج إذا طلق قبل المسيس فله أن يرجع بنصف المهر؛ وإن خلا بها. والقول الثاني في معنى الإفضاء هو: أن يخلو بها؛ وإن لم يجامعها.
قال الفراء: الإفضاء: أن يخلو الرّجل، والمرأة؛ وإن لم يجامعها. وبه قال أبو حنيفة- رحمه الله تعالى-وأصحابه، قالوا: إذا خلا بها خلوة صحيحة، يجب كمال المهر، والعدّة، دخل بها، أو لم يدخل بها؛ لما رواه الدّارقطني عن ثوبان-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كشف خمار امرأة، ونظر إليها؛ وجب الصّداق». وقال عمر-رضي الله عنه-: إذا أغلق بابا، وأرخى سترا، ورأى عورة؛ فقد وجب الصّداق، وعليها العدّة، ولها الميراث. وانظر الآية رقم [٢٣٧] من سورة (البقرة) فإنّه جيد، والحمد لله!.
{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً} المراد بذلك: عقد النكاح: زوّجت، وأنكحت. وقال سفيان الثوري-رحمه الله-: هو قوله تعالى: {فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ}. وفي صحيح مسلم عن جابر-رضي الله عنه-في خطبة الوداع: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيها: «واستوصوا بالنّساء خيرا، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله». وفي الآية الكريمة استعارة لفظ الميثاق للعقد الشّرعيّ.
الإعراب:{وَكَيْفَ:} الواو: حرف استئناف. كيف: اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من واو الجماعة. {تَأْخُذُونَهُ:} فعل مضارع، وفاعله، ومفعوله، والجملة الفعلية مستأنفة لا محلّ لها. {وَقَدْ:} الواو: واو الحال. ({قَدْ}): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال.
{أَفْضى:} فعل ماض مبني على فتح مقدّر على الألف للتعذّر. {بَعْضُكُمْ:} فاعله، والكاف في محل جرّ بالإضافة، والجملة الفعلية في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير. {إِلى بَعْضٍ:} متعلقان بما قبلهما. ({أَخَذْنَ}): فعل، وفاعل. {مِنْكُمْ:} متعلقان بما قبلهما، وجوز تعليقهما بمحذوف حال من:{مِيثاقاً}. {مِيثاقاً:} مفعول به. {غَلِيظاً:} صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب حال مثلها.
{وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)}
الشرح: سبب نزول هذه الآية والتي قبلها ذكرته في الآية رقم [١٩]. {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ} أي: لا تتزوّجوا ما تزوّج آباؤكم من النّساء. وهذا نهي لما كان الجاهليّون يفعلونه