للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التزوّج بامرأة الأب، سواء المدخول بها، والمعقود عليها من غير دخول بها، وانظر تفسير النكاح، وشرحه في الآية رقم [٦]. {إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ} أي: مضى من تزوّج بعضكم حليلة أبيه، قبل نزول الأحكام، وتبيين الحلال، والحرام. هذا؛ ووقعت: {ما} على النّساء، كما وقعت في الآية رقم [٣].

{إِنَّهُ:} أي: النكاح، والزواج المفهوم من الفعل السّابق. {كانَ فاحِشَةً:} سمّاه الله فاحشة؛ لأنّ زوجة الأب بمنزلة الأم، ونكاح الأمهات حرام، فلمّا كان كذلك؛ سمّاه الله فاحشة؛ لأنّه من أقبح المعاصي. {وَمَقْتاً} يعني: أنّه يورث المقت من الله، وهو أشدّ الغضب، وغاية الخزي، والنّدامة. {وَساءَ سَبِيلاً} أي: وبئس ذلك طريقا؛ لأنّه يؤدّي إلى مقت الله، والعرب تسمّي الرّجل من امرأة أبيه مقيتا، وكان منهم الأشعث بن قيس، وأبو معيط بن أبي عمرو بن أميّة. وذكر القرطبيّ كثيرين غيرهما.

قال أبو العباس: سألت ابن الأعرابيّ عن نكاح المقت، فقال: هو أن يتزوّج الرّجل امرأة أبيه؛ إذا طلقها، أو مات عنها، ويقال لهذا الرجل: الضّيزن. وقال ابن عرفة: كانت العرب إذا تزوّج الرجل امرأة أبيه، فأولدها، قيل للولد: المقتيّ. وأصل المقت: البغض، من: مقته، يمقته، مقتا، فهو ممقوت، ومقيت، فكانت العرب، تقول للرّجل من امرأة أبيه: مقيت، فسمّى الله تعالى هذا النكاح مقتا؛ إذ هو ذا مقت، يلحق فاعله، وخذ ما يلي:

فقد روى البغويّ بسنده عن البراء بن عازب-رضي الله عنه-قال: مرّ بي خالي، ومعه لواء، فقلت: أين تذهب؟ قال: بعثني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى رجل تزوّج امرأة أبيه أن آتيه برأسه. وينبغي أن تعلم: أنّ ما ذكر في هذه الآية مشروع في بيان من يحرم نكاحها، ومن لا يحرم، وإنّما خصّ هذا النكاح بالنّهي، وأفرده بالذّكر في هذه الآية مبالغة في الزّجر عنه، حيث كانوا مصرّين على تعاطيه. والله أعلم بمراده.

الإعراب: {وَلا:} الواو: حرف عطف. ({لا}): ناهية جازمة. {تَنْكِحُوا:} فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف النون... إلخ، والواو فاعله، والألف للتفريق والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، أو هي مستأنفة، فلا محلّ لها على الاعتبارين، {ما:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية، فعلى الأوّلين مبنية على السّكون في محل نصب مفعول به. {نَكَحَ:} فعل ماض. {آباؤُكُمْ:} فاعله، والكاف في محل جر بالإضافة، والجملة الفعلية صلة: {ما} أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: ولا تنكحوا الذي، أو شيئا نكحه آباؤكم. {مِنَ النِّساءِ:} متعلقان بمحذوف حال من المفعول المحذوف، و {مِنَ} بيان لما أبهم في: {ما} وعلى اعتبارها مصدرية، وتؤوّل مع الفعل بعدها بمصدر، والمصدر يؤول باسم مفعول، ويكون التقدير: ولا تنكحوا منكوحة آبائكم. {إِلاّ:} أداة استثناء. {ما:}

<<  <  ج: ص:  >  >>