للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ وقال القرطبي: هذا النداء ملاطفة في الخطاب من الكريم إلى الحبيب؛ إذ ناداه بحاله، وعبر عنه بصفته، فلم يقل: يا محمد! ليستشعر اللين، والملاطفة من ربه، كما رأيت في شرح {الْمُزَّمِّلُ}. هذا؛ والدثار: هو كل ما كان من الثياب فوق الشعار، والشعار الثوب الذي يلي الجسد، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم في مدح الأنصار: «الأنصار شعار، والناس دثار».

{قُمْ فَأَنْذِرْ} أي: قم من مضجعك قيام عزم وجد ونشاط، وخوّف قومك من عذاب الله؛ إن لم يؤمنوا، واشتغل بالإنذار؛ الذي تحملته، ولا تلتفت لما يقوله قومك فيك من افتراءات.

{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي: عظم ربك، ونزهه عما يقوله عبدة الأوثان، وصفه بأنه أكبر، وأعظم من أن يكون له شريك في الملك، أو صاحبة، أو ولد. وقد صار هذا اللفظ بعرف الشرع في تكبير العبادات كلها، أذانا، وإقامة، وصلاة، وذكرا، وجهادا، واستعظاما للشيء العظيم، واستنكارا للشيء الغريب. وقد ذكر أنه لما نزل قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: «الله أكبر». وعلم: أن الشيطان لا يأمر بذلك، وكبرت خديجة-رضي الله عنها-أيضا، وأيقنت: أن الوحي من الله تعالى.

فائدة:

هذه الجملة تقرأ بالعكس، ولا يتغير لفظها، ولا معناها، وأيضا قوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} ومثلهما قول الشاعر، وهو القاضي الجرجاني: [الوافر]

مودّته تدوم لكلّ هول... وهل كلّ مودّته تدوم؟

ويحكى عن العماد الكاتب: أنه لقي القاضي الفاضل، وهو راكب فرسا، فقال له: سر فلا كبابك الفرس، فقال له القاضي: دام علا العماد.

{وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ:} خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسات؛ لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة، لا تصح إلا بها، وهي الأولى، والأحب في غير الصلاة، وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثا! وقيل: هو أمر بتقصيرها، ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب، وجرهم الذيول، وذلك ما لا يؤمن معه إصابة النجاسة. وقيل: هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال، ويستهجن من العادات، يقال: فلان طاهر الثياب، وطاهر الذيل، والأردان: إذا وصفوه بالنقاء من المعايب، ومدانس الأخلاق، ومنه قول امرئ القيس. وقيل هو لأبي كبشة: [الطويل]

ثياب بني عوف طهارى نقيّة... وأوجههم بيض المسافر غرّان

ويقال: فلان دنس الثياب للغادر، وذلك؛ لأن الثوب الإنسان، ويشتمل عليه، فكنى به عنه، ومنه قول الشاعر، وكله من باب الكناية: [الرجز]

لا همّ إنّ عامر بن جهم... أوذم حجّا في ثياب دسم

<<  <  ج: ص:  >  >>