أوذم الحج: أوجبه على نفسه بالإحرام، وثياب دسم: وسخة، ومعنى البيت: أنه حج، وهو متدنس بالذنوب، وملطخ بالمعاصي، والسيئات، ألا ترى إلى قولهم: أعجبني زيد ثوبه.
كما يقولون: أعجبني زيد عقله، وخلقه. ويقولون: المجد في ثوبه، والكرم تحت حلته. قال الشاعر: [الوافر]
ويحيى لا يلام بسوء خلق... ويحيى طاهر الأثواب حرّ
ولأن الغالب: أن من طهّر باطنه، ونقّاه عني بتطهير الظاهر، وتنقيته، وأبى إلا اجتناب الخبث، وإيثار الطهر في كل شيء. انتهى. كشاف، وقال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فيه ثمانية أقوال: أحدها: أن المراد بالثياب: العمل. الثاني: القلب. الثالث: النفس. الرابع:
الجسم. الخامس: الأهل. السادس: الخلق. السابع: الدين. الثامن: الثياب الملبوسات على الظاهر. وعاد فشرح كل واحد شرحا وافيا.
{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ:} أصل الرجز: العذاب، وهو بكسر الراء، وهي قراءة الجمهور، وقرأ حفص، ومجاهد بضم الراء، فقيل: هما بمعنى واحد، يراد بهما هنا الأصنام، والأوثان. وقال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٥٩] وقريب منها في سورة (الأعراف) رقم [١٦٢]: {فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ}. وذكر الرجز بمعنى العذاب أيضا في سورة (الأعراف) برقم [١٣٤] و [١٣٥]. والمعنى: اهجر ما يؤدي إلى الرجز من عبادة الأوثان، وغيرها من المآثم. والمعنى:
الثبات على هجره؛ لأنه كان بريئا منه منزها عن كل أقذار الجاهلية. وذلك كما يقول المسلم في صلاته: {اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} ليس معناه: أنه ليس على الهداية، بل المراد ثبتنا على هذه الهداية.
{وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} أي: لا تعط عطاء، وتستكثره؛ لأن الكريم يستقل ما يعطي وإن كان كثيرا. أو لا تعط عطاء؛ وأنت تطمع أن يعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب. وهذا جائز شرعا، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون نهيا خاصا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الله اختار له أشرف الآداب، وأحسن الأخلاق. والثاني: أن يكون نهي تنزيه، لا تحريم له، ولأمته.
{وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أي: تحلّ بالصبر لوجه الله تعالى على أذى المشركين، وعلى أعباء الرسالة، وعلى عبادته، وطاعته على جميع أوامره، ونواهيه. وينبغي أن تعلم: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد صار نبيا بنزول سورة (اقرأ) عليه، وبنزول سورة (المدثر) صار رسولا، لقوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ}.
الإعراب: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ:} انظر مثلها في أول سورة (المزمل). {قُمْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها.
{فَأَنْذِرْ:} الفاء: حرف عطف. (أنذر): فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {وَرَبَّكَ:} الواو: حرف عطف. (ربك): مفعول به مقدم، والكاف في