للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصرف الآيات تصريفا كائنا مثل تبييننا الأحكام فيما تقدم. {الْآياتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مؤنث سالم، والجملة الفعلية: {كَذلِكَ..}.

إلخ مستأنفة، لا محل لها، وهي فذلكة الآية. {لِقَوْمٍ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل:

{نُصَرِّفُ} وجملة: {يَشْكُرُونَ} مع المفعول المحذوف في محل جر صفة (قوم).

{لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)}

الشرح: {أَرْسَلْنا:} بعثنا. {نُوحاً:} اسمه: السكن. وقيل: عبد الغفار. وسمي {نُوحاً} لكثرة نوحه على نفسه، وهو ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس النبي، وكان نوح نجارا.

واختلفوا في سبب نوحه، فقيل: لدعوته على قومه بالهلاك. وقيل: لمراجعته ربه في شأن ابنه كنعان.

وقيل: لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: إخسأ يا قبيح، فأوحى الله تعالى إليه: أعبتني، أم عبت الكلب؟! وهو أول رسول بعث بشريعة، وأول نذير على الشرك، وأنزل الله عليه عشر صحائف، وكان أول من عذبته أمته لردهم دعوته، وأهلك الله أهل الأرض بدعائه، وكان أبا البشر كآدم عليهما السّلام، وكان أطول الأنبياء عمرا، عمّر ألفا وخمسين سنة. وقيل: أكثر، لم تنقص قوته، ولم يشب، ولم تسقط له سن، وصبر على أذى قومه طول عمره، وكان أبواه مؤمنين بدليل دعوته لهما بالمغفرة في الآية الأخيرة من سورة (نوح). {قَوْمِهِ:} انظر الآية رقم [٣٢]. {فَقالَ:} انظر «القول» في الآية رقم [٥]. {اُعْبُدُوا اللهَ:} وحدوه. هذا؛ والعبادة غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولذلك يحرم السجود لغير الله تعالى. وانظر سجود الملائكة لآدم في الآية رقم [١]. وقيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصبر على المفقود. {اللهَ:} انظر الاستعاذة. {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: إن لم تقبلوا ما أمركم به من عبادة الله، واتباع أمره، وطاعته. واليوم الذي خافه عليهم، هو إما يوم الطوفان، وإهلاكهم فيه، أو هو يوم القيامة. وانظر (نا) في الآية رقم [٧] وانظر (الخوف) في الآية رقم [٥٦] وانظر شرح (غير) في سورة (الفاتحة) وفي الآية رقم [٢] من سورة (التوبة).

تنبيه: قال الخازن-رحمه الله تعالى-: اعلم أن الله-تبارك وتعالى-لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، وغرائب خلقه، وصنعته الدالة على توحيده، وربوبيته، وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت؛ أتبع ذلك بقصص الأنبياء، عليهم الصلاة والسّلام، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه لم يكن إعراض قومه فقط عن قبول الحق، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، والقرون الماضية، ومن كذب محمدا صلّى الله عليه وسلّم من قومه كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من الأمم المكذبة. انتهى. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٥] من سورة (هود).

<<  <  ج: ص:  >  >>