عطف معادل لهمزة التسوية. {لَمْ:} حرف نفي، وقلب، وجزم. {تُنْذِرْهُمْ:} مضارع مجزوم ب {لَمْ،} والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية هذه مؤوّلة بمصدر معطوف على سابقه، وتقدير الكلام: إنذارك وعدمه سواء، وقال محمد بن يزيد:{سَواءٌ:} يرفع بالابتداء، والمصدر المؤول خبر عنه. وقال أبو البقاء:{سَواءٌ:} مبتدأ، والمصدر المؤوّل في محل رفع فاعل ب {سَواءٌ} سد مسدّ خبره، والتقدير: يستوي عندهم الإنذار، وتركه. والأول أقوى؛ لأن {سَواءٌ} نكرة كما ترى، ولا مسوغ لوقوعه مبتدأ، وعلى كلّ فالجملة الاسمية في محل رفع فاعل به. {لا:} نافية، {يُؤْمِنُونَ:} فعل مضارع، وفاعله، والجملة الفعلية في محل نصب حال مؤكدة لمضمون ما قبلها، أو هي مستأنفة لا محل لها، ورجّحه ابن هشام في المغني على غيره، أو هي في محل رفع خبر (إنّ) فتكون الجملة الاسمية: {سَواءٌ..}. إلخ المعترضة لا محل لها، أو هي في محل رفع خبر ثان ل {إِنَّ} أقوال، وأرجح الأول، وهو الحالية، هذا ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة (إبراهيم) رقم [٢١]: {سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ،} وقوله تعالى في سورة (المنافقون) الآية رقم [٦]: {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} وقوله تعالى في سورة (الشعراء) رقم [١٣٦]: {قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ} ولا تنس الآية رقم [١٠] من سورة (ياسين). و (أم) في هذه الآيات، وأمثالها تسمى: متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر، وتسمى أيضا معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية، والمنقطعة بخلاف ذلك، انظر مبحث «أم» في كتابنا فتح القريب المجيب، تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك؛ فإنه جيد، والحمد لله.
الشرح:{خَتَمَ اللهُ} قال الزجّاج: الختم: التغطية؛ لأن في الاستيثاق من الشيء يضرب الخاتم عليه تغطية له؛ لئلا يطّلع عليه أحد. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: طبع الله على قلوبهم، فلا يعقلون الخير. وقال النسفي: وحاصل الختم والطّبع خلق الظلمة، والضيق في صدر العبد عندنا، فلا يؤمن ما دامت تلك الظلمة في قلبه. انتهى.
أقول: ولعل هذه الظلمة حاصلة من الرّان الذي ذكره الله بقوله: {كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} سورة (المطففين) رقم [١٤]، وخذ ما يلي: عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ المؤمن إذا أذنب ذنبا؛ كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب، ونزع، واستغفر؛ صقل منها، وإن زاد؛ زادت حتّى يغلّف بها قلبه، فذلك الرّان الّذي ذكر الله في كتابه:
{كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ»}. رواه الترمذيّ، والنّسائي، وابن ماجة، وابن حبّان.