للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤)}

الشرح: {قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ:} قال النحاس-رحمه الله تعالى-: فيقال:

هذه كانت خطيئة داود عليه السّلام؛ لأنه قال: لقد ظلمك من غير تثبت ببينة، ولا إقرار من الخصم، هل كان هذا كذا، أو لم يكن فهذا قول. وقال-رحمه الله تعالى-: فأما قول العلماء الذين لا يدفع قولهم؛ منهم: عبد الله بن مسعود، وابن عباس-رضي الله عنهم-فإنهم قالوا:

ما زاد داود-صلّى الله عليه نبينا، وعليه، وسلم-على أن قال للرجل: انزل لي عن امرأتك، فعاتبه الله عز وجل على ذلك، ونبهه عليه، وليس هذا بكبير معصية، ومن تخطى إلى غير هذا، فإنه يأتي بما لا يصح عن عالم، ويلحقه فيه إثم عظيم، وإنما عاتبه الله عليه؛ لأنه نبي، وكان له تسع وتسعون امرأة، فأنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا بالتزيد منها، فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه. وقد قال سعد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنهما-لما آخى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما: إن لي زوجتين أنزل لك عن إحداهما.؟ وفي رواية عن أحسنهما، فقال له عبد الرحمن:

بارك الله لك في أهلك. وما يجوز فعله ابتداء؛ يجوز طلبه، وليس في القرآن: أن ذلك كان، ولا أنه تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها، ولا ولادتها لسليمان، فعمن يروى هذا؛ ويسند، وعلى من في نقله يعتمد.؟!. انتهى.

هذا؛ وذكر الطبري-رحمه الله تعالى-في أحكامه في قول الله عز وجل: {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ..}. إلخ قوله: ذكر المحققون الذين يرون تنزيه الأنبياء-عليهم السّلام-عن الكبائر أن داود عليه السّلام كان قد أقدم على خطبة امرأة قد خطبها غيره، يقال: هو أوريا، فمال القوم إلى تزويجها من داود راغبين فيه، وزاهدين في الخاطب الأول، ولم يكن داود عارفا، وقد كان يمكنه أن يعرف ذلك، فيعدل عن هذه الرغبة، وعن الخطبة بها، فلم يفعل ذلك من حيث أعجب بها، إما وصفا، أو مشاهدة على غير تعمد، وقد كان لداود عليه السلام من النساء العدد الكثير، وذلك الخاطب لا امرأة له، فنبهه الله تعالى على ما فعل بما كان من تسور الملكين، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض؛ لكي يفهم من ذلك موقع العتب، فيعدل عن هذه الطريقة، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ:} الشركاء الذين خلطوا أموالهم، جمع: خليط {لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ:} ليتعدى ويظلم، وقرئ بفتح الغين على تقدير النون الخفيفة وحذفها، ومثله قول طرفة بن العبد وهو الشاهد رقم [١٠٩٩] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [المنسرح]

اضرب عنك الهموم طارقها... ضربك بالسّيف قونس الفرس

<<  <  ج: ص:  >  >>