للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ} أي: فإنهم لا يظلمون أحدا. {وَقَلِيلٌ ما هُمْ} أي: الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين لا يظلمون أحدا غيرهم قليل. وروي: أن عمر-رضي الله عنه- سمع رجلا يقول في دعائه: اللهم اجعلني من عبادك القليل. فقال له عمر-رضي الله عنه-:

ما هذا الدعاء؟! فقال: أردت قول الله عز وجل {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا..}. إلخ، فقال: كل الناس أفقه منك يا عمر، وتقدم مثله في الآية رقم [١٣] من سورة (سبأ).

{وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ} أي: ابتليناه واختبرناه بتلك الحكومة، هل يتنبه بها، وظن هنا بمعنى: أيقن، لا يحتمل غير اليقين. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن داود لما دخل عليه الملكان وحكم بما تقدم؛ تحولا في صورتهما، وعرجا، وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه، فعلم داود عليه السّلام إنما عني به. وذكر النسفي: أن داود سأل الآخر عن ما ادعى به الأول فاعترف، ولكنه لم يحك في القرآن؛ لأنه معلوم، ويروى: أنه قال: أنا أريد أن آخذها منه، وأكمل نعاجي مئة، فقال له داود: إن رمت ذلك ضربنا منك هذا، وهذا (وأشار إلى طرف الأنف والجبهة) فقال: يا داود! أنت أحق أن يضرب منك هذا، وهذا، وأنت فعلت كيت، كيت، ثم نظر، فلم ير أحدا، فعرف ما وقع فيه. {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ:} من ذنبه {وَخَرَّ راكِعاً:} ساجدا على تسمية السجود ركوعا؛ لأنه مبدؤه، أو: خر للسجود راكعا؛ أي: مصليا كأنه أحرم بركعتي الاستغفار، أي: بركعتي التوبة، وهذا عند الشافعي، فإن سجود التلاوة عنده، ولو كان في الصلاة، لا يؤدى في الركوع. وقال السادة الحنفية: وفيه دليل على أن الركوع يقوم مقام السجود في الصلاة؛ إذا نوي؛ لأن المراد مجرد ما يصلح تواضعا عند هذه التلاوة، والركوع في الصلاة يعمل هذا العمل، بخلاف الركوع في غير الصلاة. هذا؛ والتعبير عن السجود بالركوع موجود في اللغة العربية، قال الشاعر: [المتقارب]

فخرّ على وجهه راكعا... وتاب إلى الله من كلّ ذنب

{وَأَنابَ:} ورجع إلى الله بالتوبة. وقيل: إنه بقي ساجدا أربعين يوما وليلة، لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة، أو ما لا بد منه، ولا يرقأ دمعه؛ حتى نبت العشب من دمعه، ولم يشرب ماء، إلا وثلثاه دمع.

تنبيه: اختلف العلماء في سجدة سورة (ص)، هل هي من عزائم السجود؟ فذهب الشافعي -رحمه الله تعالى-إلى أنها ليست من عزائم سجود التلاوة، قال: لأنها توبة نبي، فلا توجب سجدة التلاوة. وقال أبو حنيفة رحمه الله: هي من عزائم سجود التلاوة، واستدل بهذه الآية على أن الركوع يقوم مقام السجود في سجود التلاوة. وعند الشافعي تبطل الصلاة إذا سجد فيها لتلاوة آية (ص)، وذكرت لك في سورة (الحج) رقم [٧٧] أن الشافعي يعتبر تلك الآية آية سجدة، وعن أحمد-رحمه الله تعالى-في سجدة (ص) روايتان، وقد ثبت: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سجد فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>