للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ (١٦)}

الشرح: {يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ} أي: خارجون من قبورهم، ظاهرون، لا يسترهم شيء من جبل، أو أكمة، أو بناء؛ لكون الأرض يومئذ قاعا صفصفا، ولا ثياب عليهم، وإنما هم عراة مكشوفون، كما جاء في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يحشر الناس حفاة عراة غرلا». رواه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عائشة-رضي الله عنها-.

{لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} أي: من ذواتهم، وأعمالهم، وأحوالهم. فإن قلت: الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام فما وجه تخصيص هذا اليوم؟ قلت: كانوا يتوهمون في الدنيا: أنهم إذا استتروا بالحيطان، والحجب؛ لا يراهم الله، وتخفى عليه أعمالهم، وهم في ذلك اليوم لا يتوهمون هذا التوهم. انتهى. خازن. ولذا قال تعالى في سورة (فصلت) رقم [٢٢ و ٢٣]:

{وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ}. فهذا يقال لهم يوم القيامة حين تشهد عليهم جوارحهم بسوء أعمالهم. وقال تعالى في سورة (النساء) رقم [١٠٨]: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً}.

{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ:} وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن: الله السائل، وهو المجيب؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه سبحانه، فيقول: {لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ}. وقال النحاس:

وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود-رضي الله عنه-قال: يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة، لم يعص الله عز وجل عليها، فيؤمر مناد ينادي: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم: {لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا، وتلذذا، ويقوله الكافرون غمّا، وانقيادا، وخضوعا. فأما أن يكون هذا؛ والخلق غير موجودين؛ فبعيد؛ لأنه لا فائدة فيه. والقول صحيح عن ابن مسعود-رضي الله عنه-وليس هو مما يؤخذ بالقياس، ولا بالتأويل.

قلت: والقول الأول ظاهر جدا؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين، وانتساب المنتسبين؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه، وكل متكبر وجبروته، وانقطعت دعاويهم، وأنسابهم، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض، والأرواح، وطي السماء: أنا الملك؛ أين ملوك الأرض؟ كما تقدم في حديث ابن عمر-رضي الله عنهما-. ثم يطوي الأرض بشماله، والسموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟! وانظر ما ذكرته في سورة (الزمر) رقم [٦٧]. وعند قوله سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يكون انقطاع زمن الدنيا، وبعده يكون البعث، والنشر. قال محمد بن كعب القرظي-رضي الله عنه-: قوله سبحانه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} يكون بين النفختين حين فني الخلق، وبقي الخالق، فلا يرى غير

<<  <  ج: ص:  >  >>