نفسه مالكا، ولا مملوكا، فيقول:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه، فيقول:{لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ} لأنه بقي وحده، وقهر خلقه. انتهى. قرطبي بتصرف بسيط.
أقول: والمعتمد أن ما ذكر إنما يكون بعد النفخة الأولى، وسكون الحركات، وخمود الأصوات، وخلو الأرض من أهلها، والسموات، فلا تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا، ثم يطلع الملك القهار إلى الدنيا، فيقول، وهو أعلم: يا دنيا! أين أنهارك؟ وأين أشجارك؟ وأين أحبابك؟ وأين عمارك؟ أين الملوك، وأبناء الملوك؟ أين الجبابرة وأبناء الجبابرة؟ أين الذين أكلوا رزقي، وتقلبوا في نعمتي، ثم عبدوا غيري؟. {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد، فيقول:
{لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ}.
هذا؛ و {الْواحِدِ} قال الخطابي في شرحه: هو الفرد الذي لم يزل وحده. وقيل: هو المنقطع عن القرين، والشريك، والنظير، وليس هو كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة؛ لأن ذلك يكثر بانضمام بعضها إلى بعض، والواحد ليس كذلك، فهو الله الواحد؛ الذي لا مثل له، ولا يشبهه شيء في خلقه. {الْقَهّارِ} قال الخطابي: هو الذي قهر الجبابرة من خلقه بالعقوبة، وقهر العباد كلهم بالموت. وقال غيره: هو الذي قهر كل شيء، وذلله، فاستسلم، وانقاد له، ولا تنس أن القهار صيغة مبالغة «قاهر»، وانظر قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٨]: {وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.
الإعراب:{يَوْمَ:} بدل من {يَوْمَ التَّلاقِ} وأجاز ابن هشام اعتباره ظرفا متعلقا بالفعل: {لا يَخْفى}. {هُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {بارِزُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والجملة الاسمية في محل جر بإضافة {يَوْمَ} إليها. {لا:} نافية. {يَخْفى:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {عَلَى اللهِ مِنْهُمْ:} كلاهما متعلقان بالفعل قبلهما. {شَيْءٌ:} فاعل {يَخْفى،} والجملة الفعلية يجوز فيها أن تكون خبرا آخر للمبتدأ، وأن تكون في محل نصب حال من الضمير المستتر في:{بارِزُونَ،} والرابط: الضمير فقط، وأن تكون مستأنفة، لا محل لها.
{لِمَنِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {الْمُلْكُ:} مبتدأ مؤخر. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {الْمُلْكُ،} وقال أبو البقاء: العامل فيه {لِمَنِ} أو ما يتعلق به الجار. وقيل: هو ظرف ل: {الْمُلْكُ،} والجملة الاسمية في محل نصب مقول القول لقول محذوف، كما رأيت في الشرح، والقول ومقوله كلام مستأنف، لا محل له. {اللهِ:} متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو كائن لله. {الْواحِدِ الْقَهّارِ:} بدلان من لفظ الجلالة. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٢]. هذا؛ وقال أبو البقاء أيضا: وقيل: الوقف على الملك، ثم استأنف، فقال: هو اليوم لله الواحد؛ أي: استقر اليوم لله. انتهى. والأول هو المعتمد.