ضمير فصل لا محل له. {الْمُهْتَدُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع... إلخ. هذا؛ ويجوز اعتبار الضمير مبتدأ ثانيا، و {الْمُهْتَدُونَ} خبره، والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ الأوّل، وعلى الوجهين فالجملة الاسمية معطوفة على سابقتها على الوجهين المعتبرين فيها.
{إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اِعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (١٥٨)}
الشرح: {الصَّفا:} جمع: صفاة، وهي الصّخرة الصّلبة الملساء، وألفه منقلبة عن واو بدليل قلبها في التثنية واوا. قالوا: صفوان، والاشتقاق يدل عليه أيضا؛ لأنه من الصّفو، وهو الخلوص، والنقاء، وقيل: الذي لا يخالطه غيره من طين، أو تراب، و (المروة): الحجر الرّخو، جمعها:
مرو، ومروات، وهذا معناها لغة، والمراد بهما: جبلان صغيران قرب الكعبة المعظّمة، معروفان، يقع السّعي بينهما، وهو ركن من أركان الحجّ، والعمرة عندنا معاشر الشّافعية. {شَعائِرِ اللهِ:}
أعلام دينه، جمع: شعيرة، وهي العلامة، والمراد بالشّعائر: تكاليف الإسلام من صوم، وصلاة، وحجّ، وزكاة. والسّعي بين الصفا والمروة من أعمال الحج، والعمرة، كما أسلفت. {حَجَّ:}
أراد، وقصد الكعبة المعظمة لأداء النسك؛ الّذي هو أحد أركان الإسلام الخمسة. {اِعْتَمَرَ:}
زار الكعبة المشرفة، وأعمال العمرة أعمال الحجّ ما عدا الوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ومنى.
{فَلا جُناحَ عَلَيْهِ:} لا إثم، ولا مؤاخذة عليه. {يَطَّوَّفَ:} أصله: يتطوّف، وماضيه:
تطوّف، قلبت التاء طاء في المضارع، وأدغمت الطاء في الطاء، والمعنى: يسعى بينهما. {تَطَوَّعَ خَيْراً} أي: فعل طاعة فرضا كان، أو نفلا، أو زاد على ما فرضه الله عليه من حجّ، أو عمرة، أو غير ذلك. {شاكِرٌ:} أي: لعمله بأن يثيبه عليه. {عَلِيمٌ} بالعمل الصّالح الذي يعمله العبد.
هذا؛ والشكر معناه: مقابلة النعمة والإحسان بالثناء والعرفان. وهذا محال على الله؛ إذ ليس لأحد عنده يد، ونعمة، ولهذا حمله العلماء على الثّواب، والجزاء؛ أي: إنه تعالى يثيبه، ولا يضيع أجر العاملين. والصّحيح ما عليه السلف من إثبات الصفات كما وردت، فهو شكر يليق بجلاله، وكماله. وخذ ما يلي:
فقد روى الإمام أحمد-رحمه الله تعالى-: عن عروة بن الزبير، عن خالته الصدّيقة بنت الصديق، قال: قلت: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ..}. إلخ. فو الله ما على أحد جناح ألا يطوّف بهما. فقالت-رضي الله عنها-: بئس ما قلت يا بن أختي! إنها لو كانت على ما أوّلتها عليه؛ كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. ولكنّها إنما أنزلت أنّ الأنصار كانوا قبل أن يسلموا، كانوا يهلّون لمناة الطّاغية؛ الّتي كانوا يعبدونها عند المشلّل، وكان من أهلّ لها، يتحرّج أن يطوّف بالصّفا، والمروة، فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله! إنا كنا