للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)}

الشرح: {وَلَقَدْ أَضَلَّ:} أخرج الشيطان عن طريق الحق، وأغوى {مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} أي:

خلقا كثيرا، وجموعا كثيرة، ففيه خمس قراءات. هذا؛ والجبلة: الخليقة. قال تعالى في سورة (الشعراء) رقم [١٨٤]: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}. {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} أي: تعرفون عداوته، وتعلمون: أن الواجب طاعة الله، وامتثال أمره، واجتناب نهيه؟، أو المعنى: أفما كان لكم عقل يردعكم عن طاعة الشيطان، ومخالفة أمر ربكم؟! وهو توبيخ، وتقريع آخر للكفرة الفجار.

الإعراب: {وَلَقَدْ:} الواو: حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف، تقديره: والله، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف، تقديره: أقسم. هذا؛ وبعضهم يعتبر الواو عاطفة، وبعضهم يعتبرها حرف استئناف، ويعتبرون الجملة الآتية جوابا لقسم محذوف. ولا أسلمه أبدا؛ لأنه على هذا يكون قد حذف واو القسم، والمقسم به، ويصير التقدير: وو الله أقسم، أو أقسم والله، واللام واقعة في جواب القسم المحذوف. وبعضهم يقول: موطئة للقسم، والموطئة معناها:

المؤذنة، وهذه اللام إنما تدخل على: «إن» الشرطية، لتدل على القسم المتقدم على الشرط، وتكون الجملة الآتية جوابا للقسم المدلول عليه باللام، والمتقدم على الشرط حكما، كما في قوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ..}. إلخ الآية رقم [١٢] من سورة (الحشر) افهم هذا؛ واحفظه، فإنه جيد إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: ما ذكرته من إعراب يؤدي إلى حذف المقسم به، وبقاء حرف القسم! فالجواب: أنه قد حذف المقسم به حذفا مطردا في أوائل السور، مثل قوله تعالى:

{وَالضُّحى}. {وَالسَّماءِ وَالطّارِقِ... ،} فإنه التقدير: ورب الضحى، ورب السماء إلخ. الدليل على ذلك التصريح به في قوله تعالى: {فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ} الآية رقم [٢٣] من سورة (الذاريات) وحذف المقسم به ظاهر في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها..}. إلخ الآية رقم [٧١] من سورة (مريم) وأظهر منه في قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الآية رقم [٧٣] من سورة (المائدة)، فالواو في الآيتين حرف قسم وجر، والمقسم به محذوف بلا ريب.

(قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {أَضَلَّ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى الشيطان، تقديره: «هو»، والجملة الفعلية {(لَقَدْ أَضَلَّ...)} إلخ جواب القسم، لا محل لها، والقسم وجوابه كلام معطوف على ما قبله، فهو في محل نصب مقول القول أيضا. {مِنْكُمْ:}

جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {جِبِلاًّ:} مفعول به. {كَثِيراً:} صفة له. {أَفَلَمْ:}

<<  <  ج: ص:  >  >>