{وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)}
الشرح: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} أي: جهالا، لا تعرفون شيئا من أمور دينكم، ودنياكم، وتدبير معايشكم. {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي:
أعطاكم الله هذه الحواس لتستفيدوا بها، فجعل لكم السمع لتسمعوا به نصوص الكتاب والسنة، وهي الدلائل السمعية؛ لتستدلوا بها على ما يصلحكم في أمر دينكم، وجعل لكم الأبصار؛ لتبصروا بها عجائب مصنوعاته، وغرائب مخلوقاته، فتستدلوا به على وحدانيته، وجعل لكم الأفئدة؛ لتعقلوا بها، وتفهموا معاني الأشياء، التي جعلها دلائل وحدانيته. انتهى. خازن.
تنبيه: وحّد السمع دون القلوب، والأبصار؛ لأمن اللبس، ولأنه في الأصل مصدر، يقال:
سمعت الشيء، سماعا وسمعا، والمصدر لا يجمع؛ لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير، فلا يحتاج فيه إلى تثنية، أو جمع. وقيل: وحّد السمع؛ لأن مدركاته نوع واحد، وهو الصوت، ومدركات القلب والبصر مختلفة، والأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب.
هذا؛ ونص الآية وظاهرها يدلّ على أنّ الحواس الثلاث خلقت بعد الإخراج من البطون، وقد قال العلماء الأفذاذ: إنّ تقديم الإخراج، وتأخير ذكر الحواس لا يدلّ على أنّ خلقها كان بعد الإخراج؛ لأن الواو لمطلق الجمع، ولا توجب الترتيب؛ ولأن العرب تقدم، وتؤخر في كلامها، وخذ قول الأحوص: [الوافر]
ألا يا نخلة من ذات عرق... عليك ورحمة الله السّلام
فقد عطف المقدم على متبوعه، قال ابن هشام في مغنيه: وهو مما اختصت به الواو. وانظر الشاهد [٦٦٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب». {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: كي تعرفوا ما أنعم الله به عليكم طورا بعد طور، فتشكروه على تلك النعم، انظر الشكر في الآية رقم [٧] و [٣٩] من سورة (إبراهيم) عليه الصلاة، والسّلام.
هذا؛ والترجي في هذه الآية وأمثالها، إنما هو بحسب عقول البشر؛ لأن الله تعالى لا يحصل منه ترج، ورجاء لعباده. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!.
هذا؛ و {أُمَّهاتِكُمْ:} جمع أم، والقياس أن يكون جمعها: (أمات) قال الزمخشري:
والهاء مزيدة في: أمات، كما زيدت في أراق، فقيل: أهراق، وشذت زيادتها في الواحدة في قول قصي الجد الرابع للنبي صلّى الله عليه وسلّم: [الرجز]
أمّهتي خندف والياس أبي... عند تناديهم بهال وهب