للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَانْفِرُوا ثُباتٍ} أي: اخرجوا سرايا متفرّقين سرية بعد سرية، و {ثُباتٍ} جمع: ثبة، وهي الجماعة من الرّجال فوق العشرة، وتجمع أيضا على «ثبين» جمع مذكر سالما، ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته: [الوافر]

وأمّا يوم لا نخشى عليهم... فنصبح في مجالسنا ثبينا

{أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} أي: اخرجوا جميعا كلكم مع نبيكم صلّى الله عليه وسلّم إلى جهاد عدوّكم. و {اِنْفِرُوا:}

بكسر الفاء، وضمها تبعا للمضارع. هذا؛ والنفر: الجماعة، كالقوم، والرهط، لا واحد له من لفظه، والمصدر: النفور، والنّفير، فالله يدعو المؤمنين في الآية الكريمة لمواجهة أعدائهم، ومحاربتهم مجتمعين، ومتفرّقين حسب ما تدعو الحاجة إليه. قال البيضاويّ-رحمه الله تعالى-:

والآية وإن نزلت في الحرب، لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلّها كيفما أمكن قبل الفوات. انتهى. فيكون مضمونها مثل قوله تعالى في سورة (آل عمران): {وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}. إلخ، وقوله جلّ ذكره في سورة (الحديد): {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ..}.

إلخ. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [٢٩]. {خُذُوا:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية كالجملة الندائية قبلها. {حِذْرَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله.

{فَانْفِرُوا:} الفاء: حرف عطف. (انفروا): أمر، وفاعله. {ثُباتٍ:} حال من واو الجماعة منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنّه جمع مؤنث سالم، والجملة معطوفة على ما قبلها لا محلّ لها مثلها، والتي بعدها معطوفة أيضا. {جَمِيعاً:} حال من واو الجماعة أيضا.

{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢)}

الشرح: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ:} نزلت الآية في المنافقين، وإنّما قال الله: {مِنْكُمْ} لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية، والنّسب، وإظهار كلمة الإيمان. والمعنى: وإن منكم لمن ليتأخرنّ، وليتثاقلنّ عن الجهاد، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين، وأتباعه.

كان المنافقون يقولون للمؤمنين: لم تقتلون أنفسكم؟! تأنّوا حتى يظهر الأمر!.

{فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} أي: من قتل، وهزيمة. {قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ} أي: لقعودي عن الحرب، والجهاد. {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً:} حاضر الحرب، فيصيبني ما أصابهم. هذا؛ وعاد الضمير على (من) مفردا نظرا للفظها.

<<  <  ج: ص:  >  >>