الشرح:{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ} أي: للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ويقرأ الفعل:{أُخْفِيَ} بقراءات كثيرة. {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} أي: مما تقر به عيونهم، يحتمل أن تكون من القرار، وهو: السكون والهدوء، ويحتمل أن تكون من القر، وهو الأشهر، والقرّ: البرد؛ لأن العرب تتأذى بالحر، وتستريح إلى البرد، وأيضا: فإن دمع السرور بارد، ودمع الحزن ساخن، فمن هذا يقال: أقر الله عينك، وأسخن الله عين العدو، قال الشاعر:[الطويل] فكم سخنت بالأمس عين قريرة... وقرّت عيون دمعها اليوم ساكب
وضعّف ناس هذا، وقالوا: الدمع كله حار، فمعنى «أقر الله عينه» أي: سكن الله عينه بالنظر إلى من يحبه حتى تقر، وتسكن، وإذا أريد بهذه الجملة الدعاء؛ فيكون المعنى: أقر الله عينه، أي: أسكنها بالموت، فيكون الفعل من الأضداد، وفلان قرة عيني، أي: تسكن نفسي بقربه، قالت ميسون بنت بحدل الكلبية:[الوافر] ولبس عباءة وتقرّ عيني... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف
وقد وحد {قُرَّةِ؛} لأنه مصدر، والمصدر يصلح للمفرد، والمثنى، والجمع، والمذكر والمؤنث، وإنما قال:{أَعْيُنٍ} وهو جمع قلة بخلاف عيون، وهو جمع كثرة؛ لأنه أراد أعين المؤمنين المخلصين، والمتقين الخاشعين، وهي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم، قال تعالى:
{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}.
{جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي: جوزوا جزاء عظيما بسبب ما عملوا من الطاعات، فأخفى أولئك أعمالهم من أعين الناس، فأخفى الله جزاءهم، فلا يعلم مقداره ملك مقرب، ولا نبي مرسل. وفي معنى هذه الآية قال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«قال الله عز وجلّ: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». ثم قرأ هذه الآية:{تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ} إلى قوله: {جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ}. خرجه الصحيح من حديث سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه. انتهى. قرطبي، وأسنده الخازن إلى أبي هريرة، رضي الله عنه، وقال: متفق عليه.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: في التوراة مكتوب: «على الله للّذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الأمر في هذا أجلّ وأعظم من أن يعرف تفسيره.
وعن أبي عبيدة-رضي الله عنه-قال: قال عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-: إنه مكتوب في التوراة: لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم