في محل جزم جواب الشرط، وخبر المبتدأ الذي هو (من) مختلف فيه كما رأيت في الآية رقم [٤٧] هذا؛ وإن اعتبرت {مِنَ} اسما موصولا، فتكون الجملة الفعلية {اِعْتَدى..}. إلخ صلته، والجملة الاسمية:{فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ} خبره. ودخلت الفاء في الخبر لشبه الموصول بالشرط في العموم، والجملة على الوجهين اسمية مستأنفة لا محل لها، وهي متضمنة للوعيد، كما رأيت في الشرح.
الشرح:{آمَنُوا:} انظر الإيمان في الآية رقم [٩٥]{وَأَنْتُمْ حُرُمٌ:}{وَأَنْتُمْ} محرمون بحج أو عمرة. أو:{وَأَنْتُمْ} في أرض الحرم. وحرم جمع حرام، مثل: ردح في جمع رداح. وذكر القتل يشمل الذبح، وغيره، وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه من الوحش، والطير، وغير ذلك، دون الذي لا يؤكل لحمه. وهذا عند الشافعي، وأما أبو حنيفة فمأكول اللحم، وغيره عنده سواء، ويؤيده قول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«خمس يقتلن في الحل، والحرم: الحدأة، والغراب، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور». وفي رواية: الحية بدل العقرب. متفق عليه، ورواه ابن عمر، وما يشبهه عن عائشة، رضي الله عنهم أجمعين. {مُتَعَمِّداً} أي: ذاكرا لإحرامه، عالما بأنه حرام، والمعتمد أن فيه الجزاء سواء قتله متعمدا، أو غير متعمد، لكن لا إثم على غير المتعمد، بل عليه الضمان فقط. {فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي: شبه ما قتله، واختلفوا في هذه المماثلة، والمشابهة، فعند الشافعي، ومالك المراد: مثله في الهيئة، والخلقة. ووافقهما محمد من الحنفية، وعند أبي حنيفة المراد: المماثلة، في القيمة، يقوّم المصيد حيث صيد، فإن بلغت قيمته ثمن هدي؛ خيّر بين أن يهدي من النعم ما قيمته قيمة الصيد، وبين أن يشتري بقيمته طعاما، فيعطي كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من غيره، وإن شاء صام عن طعام كل مسكين يوما، وإن لم تبلغ قيمته ما ذكر؛ تخير بين الإطعام، والصوم، وعند الأولين هو مخير بين ذبح المثل وبين التصديق بقيمته طعاما، لكل مسكين مد، وبين الصيام يصوم عن كل مد يوما. وقد وضح الله هذا بما يأتي. هذا؛ والنعم يطلق على الحيوان المأكول الأهلي من بقر، وغنم، وما عز، وإبل، {يَحْكُمُ بِهِ:} بالمثل، أو بالقيمة على ما رأيت من الخلاف. {ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: صاحبا عدالة منكم، لهما فطنة، يميزان بها لشبه الأشياء به.
وقد حكم ابن عباس، وعمر، وعلي-رضي الله عنهم-في النعامة ببدنه، وابن عباس، وأبو عبيدة في بقر الوحش، وحماره ببقرة، وابن عمر، وابن عوف في الظبي بشاة، وحكم بها ابن