للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والصبر: حبس النفس من الجزع عند المصيبة، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش، وهو مر المذاق، يكاد لا يطاق، إلا أنه حلو العواقب، يفوز صاحبه بأسنى المطالب، كما قال قائل: [البسيط]

الصّبر مثل اسمه مرّ مذاقته... لكن عواقبه أحلى من العسل

وبالجملة فنفع الصبر مشهور، والحض عليه في الكتاب، والسنّة مقرر مسطور، وهو على ثلاثة أنواع: صبر على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على البلاء، ولا تنس: أن من أسماء الله الصبور، وفسر بالذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، ثم اعلم: أن الصبر قد ذكر في القرآن العظيم في خمسة وتسعين موضعا، ومن أجمعها آية البقرة، ومن أرفعها قوله تعالى في حق أيوب عليه السّلام: {إِنّا وَجَدْناهُ صابِراً} حيث قرن هاء الصبر بنون العظمة، ومن أبهجها قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ}.

فائدة: قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً،} وقال: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،} وقال:

{وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً،} قالوا: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذية معه، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه، وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (الرعد) ففيها كبير فائدة.

الإعراب: {وَاصْبِرْ}: (اصبر): أمر، وفاعله أنت، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها لا محل لها أيضا. {فَإِنَّ}: الفاء: حرف تعليل. (إن): حرف مشبه بالفعل. {اللهَ}: اسمها.

{لا}: نافية. {يُضِيعُ}: مضارع، والفاعل يعود إلى {اللهَ}. {أَجْرَ}: مفعول به، وهو مضاف، و {الْمُحْسِنِينَ}: مضاف إليه مجرور... إلخ، وجملة: {لا يُضِيعُ..}. إلخ في محل رفع خبر: (إن)، والجملة الاسمية: (إن...) إلخ تعليل للأمر لا محل لها.

{فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاِتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ (١١٦)}

الشرح: {فَلَوْلا كانَ}: فهلا كان. {مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي: من الأمم التي قبلكم يا أمة محمد، فأهلكناهم، انظر شرح القرون في الآية رقم [١٣] من سورة (يونس). {أُولُوا بَقِيَّةٍ} أي:

أصحاب عقل، ورأي، وتمييز، وطاعة، وخير، يقال: فلان ذو بقية إذا كان فيه خير، وقيل:

معناه أولو بقية من خير، يقال: فلان على بقية من الخير، إذا كان على خصلة محمودة، وتقرأ {بَقِيَّةٍ} بقراءات كثيرة، ولا يتغير المعنى ولا الإعراب. {يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ}: وذلك لما منحهم الله من العقول النيرة، وأراهم من الآيات الباهرة، وهذا توبيخ وتقريع للكفار؛ إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>