أقول: وهو فحوى قوله تعالى في سورة (مريم) على نبينا، وعليها ألف صلاة، وألف سلام:{قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا} رقم [٧٥]. وعن عقبة بن عامر-رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحبّ، وهو مقيم على معصيته فذلك منه تعالى استدراج». ثم تلا قوله تعالى:{فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ..}. إلخ رقم [٤٤] من سورة (الأنعام)، ذكره البغوي بغير سند، وأسنده الطبري. هذا؛ وقال الحسن البصري -رضي الله عنه-: كم مستدرج بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرور بالستر عليه.
{مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ:} أنه استدراج، بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة، وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى في سورة (المؤمنون) رقم [٥٥]: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ،} فعلى المسلم الكامل إذا تجددت له نعمة؛ أن يقابلها بالشكر، وإذا أذنب ذنبا؛ أن يعاجله بالاستغفار، والتوبة.
الإعراب:{فَذَرْنِي:}(الفاء): هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: إذا كانت أحوالهم كذلك؛ فذرني ومن يكذب... إلخ. (ذرني): فعل أمر، والفاعل تقديره:«أنت»، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جواب للشرط المقدر ب:«إذا»، كما رأيت. {وَمَنْ:}(الواو): حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على ياء المتكلم، أو على أنه مفعول معه، والأول أرجح، قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته:[الرجز]
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحقّ... والنصب مختار لدى عطف النّسق
{يُكَذِّبُ:} فعل مضارع، والفاعل يعود إلى (من) وهو العائد، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {بِهذَا:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والهاء حرف للتنبيه مقحم بينهما. {الْحَدِيثِ:} صفة اسم الإشارة، أو بدل منه. {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ:}(السين): حرف تنفيس، واستقبال. (نستدرجهم): فعل مضارع، والفاعل مستتر تقديره:«نحن»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، ولا تنس: أنه روعي معنى (من) بالضمير المنصوب، وروعي لفظها بإرجاع فاعل {يُكَذِّبُ} إليها. {مِنْ حَيْثُ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما، و {حَيْثُ} مبني على الضم في محل جر ب: {مَنْ}. {لا:} نافية. {يَعْلَمُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والمفعول محذوف للتعميم، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {حَيْثُ} إليها.
{وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)}
الشرح:{وَأُمْلِي لَهُمْ:} أمهلهم، والإملاء: الإمهال. {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ:} إن أخذي شديد قوي لمن خالف أمري، وكذب رسلي، واجترأ على معصيتي. وإنما سمى الله عز وجل إحسانه: