سورة العنكبوت، وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة-رضي الله عنهما-وفي القول الآخر لهما، وهو قول يحيى بن سلاّم أنها مكية إلا عشر آيات من أولها، فإنها نزلت بالمدينة في شأن من كان من المسلمين في مكة. وقال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: نزلت بين مكة والمدينة. انتهى. قرطبي.
الشرح:{الم:} انظر شرح هذا اللفظ، وإعرابه في أول سورة (الروم). {أَحَسِبَ النّاسُ} أي: أظنّ الناس. والحسبان: قوة أحد النقيضين على الآخر كالظن، بخلاف الشك، فهو الوقوف بينهما، أما العلم؛ فهو القطع على أحدهما. والحسبان، والظن يتعلقان بمضامين الجمل، للدلالة على جهة ثبوتها، ولذلك اقتضى كل واحد منهما مفعولين متلازمين، أصلهما مبتدأ وخبر، أو ما يسد مسدهما.
{أَنْ يُتْرَكُوا} أي: بغير اختبار، وابتلاء، {أَنْ يَقُولُوا آمَنّا} أي: يقولوا بألسنتهم: آمنا بالله، ورسوله. {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} أي: لا يبتلون في أنفسهم، وأموالهم. كلا لنختبرنهم بأنواع البلاء لنمحص المؤمن من المنافق، ونميز الصادق من الكاذب. هذا؛ والفتنة:
الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات والملاذ، وبالفقر، والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس، والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم، وكيدهم، وضرارهم، وكذلك الصبر على أذى الفساق من الذين يدّعون الإسلام؛ والإسلام منهم براء.
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-وغيره: المراد ب: {النّاسُ} قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان كفار قريش يؤذونهم، ويعذبونهم على الإسلام، كسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، وعمار بن ياسر، وياسر أبوه، وسمية أمه، وعدة من بني مخزوم، وغيرهم،