أهل السماء: إن الله يبغض فلانا، فأبغضوه. قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض». أخرجه مسلم، رحمه الله.
{وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ:} وهذا من ثمرات محبّة الله أيضا، وعبّر سبحانه عن رضاه عن عبده المحبّ له على طريق الاستعارة، أو المقابلة، المعبّر عنها في البلاغة بالمشاكلة؛ لأن المحبة من فعل القلوب، والله لا قلب له مثلنا. {وَاللهُ غَفُورٌ} لأوليائه. {رَحِيمٌ:} بهم. وهما صيغتا مبالغة.
يروى: أنّ الآية الكريمة نزلت لمّا قالت اليهود: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ} فعرضها عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يقبلوها. وقيل: نزلت في وفد نجران، ولمّا قالوا: إنّما نعبد المسيح حبّا لله.
وقيل: نزلت في أقوام زعموا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنهم يحبّون الله، فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل. والله أعلم بمراده.
الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. {إِنْ:} حرف شرط جازم.
{كُنْتُمْ:} فعل ماض ناقص مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء اسمه.
{تُحِبُّونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {اللهَ:} منصوب على التعظيم، والجملة الفعلية في محل نصب خبر: {كُنْتُمْ} والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنّها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَاتَّبِعُونِي:} الفاء: واقعة في جواب الشرط، (اتبعوني): فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، والجملة الفعلية في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدّسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنّها لم تحلّ محلّ المفرد. و {إِنْ} ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}.
إلخ مستأنفة لا محل لها.
{يُحْبِبْكُمُ:} فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للأمر، والكاف مفعول به. {اللهَ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها لوقوعها جوابا للطلب. {وَيَغْفِرْ:} معطوف على ما قبله مجزوم مثله، والفاعل يعود إلى: {اللهَ} والجملة معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {ذُنُوبَكُمْ:} مفعول به، والكاف في محل جر بالإضافة. {وَاللهُ:}
مبتدأ. {غَفُورٌ رَحِيمٌ:} خبران له، والجملة الاسمية معترضة في آخر الكلام مقرّرة لما قبلها.
{قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٣٢)}
الشرح: {قُلْ أَطِيعُوا..}. إلخ، يروى: أنّه لمّا نزلت الآية السابقة؛ قال عبد الله بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين لأصحابه: إنّ محمدا يجعل طاعته كطاعة الله، ويأمرنا أن نحبّه كما أحبّت النّصارى عيسى ابن مريم، فأنزل الله هذه الآية.