للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النافع بغناه خلقه، والجواد المنعم عليهم؛ إذ ليس كل غني نافعا بغناه، إلا إذا كان الغني جوادا منعما، وإذا جاد، وأنعم؛ حمده المنعم عليهم. قال سهل: لما خلق الله الخلق؛ حكم لنفسه بالغنى، ولهم بالفقر، فمن ادعى الغنى؛ حجب عن الله، ومن أظهر فقره؛ أوصله فقره إليه.

فينبغي للعبد أن يكون مفتقرا بالسر إليه، ومنقطعا عن الغير إليه، حتى تكون عبوديته محضة؛ فالعبودية هي الذل والخضوع، وعلامته ألاّ يسأل من أحد.

وقال الواسطي: من استغنى بالله لا يفتقر، ومن تعزز بالله لا يذل. وقال الحسين: على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غنيا بالله، وكلما ازداد افتقارا إلى الله؛ ازداد غنى. وقال يحيى:

الفقر خير للعبد من الغنى؛ لأن المذلة في الفقر، والكبر في الغنى، والرجوع إلى الله بالتواضع والذلة، خير من الرجوع إليه بتكثير الأعمال. وقيل: صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء، والفقر إليه في كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء، وقال الشبلي: الفقر يجر البلاء، وبلاؤه كله عز. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [١٠]، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {يا أَيُّهَا النّاسُ:} انظر الآية رقم [٥]. {أَنْتُمُ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {الْفُقَراءُ:} خبره، والجملة الاسمية لا محل لها كالجملة الندائية قبلها؛ لأنها ابتدائية مثلها. {إِلَى اللهِ:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {الْفُقَراءُ؛} لأنه جمع: فقير، وهو صفة مشبهة. {وَاللهُ:} الواو: حرف عطف. {اللهِ:} مبتدأ. {هُوَ:} ضمير فصل، لا محل له، وأجيز اعتباره توكيدا للفظ الجلالة، وعليه: {الْغَنِيُّ:} خبر أول. {الْحَمِيدُ:} خبر ثان، وإن اعتبرت الضمير مبتدأ، وما بعده خبران له؛ فالجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وهو أقوى من اعتبارها حالية.

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧)}

الشرح: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي: لو شاء الله تعالى إهلاككم؛ لأهلككم، وأفناكم، وأتى بقوم آخرين غيركم، وفي هذا؛ وعيد، وتهديد. ومثله قوله تعالى في سورة (محمد) صلّى الله عليه وسلّم رقم [٣٨]: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ}. {وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ} أي: وليس ذلك بصعب، أو ممتنع على الله؛ بل هو سهل يسير عليه سبحانه؛ لأن أمره بين الكاف والنون، إذا قال للشيء: كن؛ فيكون، ومثله في سورة (إبراهيم) رقم [٢٠] على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام.

الإعراب: {إِنْ:} حرف شرط جازم. {يَشَأْ:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، والفاعل مستتر، تقديره: «هو» يعود إلى (الله)، ومفعوله محذوف، انظر الشرح، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {يُذْهِبْكُمْ:} فعل مضارع جواب الشرط، والفاعل يعود إلى (الله)، والكاف مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها جملة

<<  <  ج: ص:  >  >>