حتى يبعثه الله من بطون السباع والطير! لأمثلن مكانه بسبعين رجلا منهم». فأنزل الله الآية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بل نصبر». وأمسك عما أراد، وكفّر عن يمينه. انتهى. قرطبي بتصرف.
وأما معنى الآية وتفسيرها: فقد سمى الفعل الأول: {عاقَبْتُمْ} باسم الثاني للمشاكلة في الكلام. فهو عكس قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ} حيث سمى الثاني، وهو بمعنى:
جازاهم بلفظ الأول للمشاكلة، والمزاوجة في الكلام، والمعنى: إن فعل بكم أحد سوءا من قتل، أو مثله، أو ظلم بأخذ مال، ونحوه وتمكنتم منه، فقابلوه بمثله، ولا تزيدوا عليه، فهو كقوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها} أمر الله برعاية العدل، والإنصاف في هذه الآية في باب استيفاء الحقوق، فإن استيفاء الزيادة ظلم، والظلم لا يجوز في عدل الله، وشرعه، ورحمته، وما يذكر إلا أولو الألباب.
الإعراب: {وَإِنْ:} الواو: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {عاقَبْتُمْ:} ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط، والتاء فاعله، والميم علامة الذكور، والمفعول محذوف، التقدير: عاقبتم المؤذي، أو المضر، ونحوه، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {فَعاقِبُوا:} الفاء: واقعة في جواب الشرط.
(عاقبوا): أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله. {بِمِثْلِ:} متعلقان بما قبلهما. {ما:}
اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. {عُوقِبْتُمْ:} ماض مبني للمجهول، والتاء نائب فاعله. {بِهِ:} متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها، وجملة: {فَعاقِبُوا..}. إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {وَلَئِنْ:} الواو:
حرف عطف. اللام: موطئة لقسم محذوف. (إن صبرتم): مثل سابقه. {لَهُوَ:} اللام: واقعة في جواب القسم المحذوف (هو خير): مبتدأ، وخبر. {لِلصّابِرِينَ:} متعلقان ب {خَيْرٌ،} والجملة الاسمية: {لَهُوَ خَيْرٌ..}. إلخ جواب القسم المقدر، وحذف جواب الشرط، لدلالة جواب القسم عليه، قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته: [الرجز]
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم... جواب ما أخّرت فهو ملتزم
والكلام: {وَلَئِنْ..}. إلخ معطوف على ما قبله، لا محل له مثله.
{وَاِصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)}
الشرح: {وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللهِ:} هذا أمر من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، وإعلام له: أنّ صبره لا يكون إلا بتوفيق الله ومعونته. {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي: على الكافرين؛ الذين ناصبوك العداء،