للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)}

الشرح: {مِنْها خَلَقْناكُمْ:} للعمل، والثواب، {وَفِيها نُعِيدُكُمْ} أي: للدود، والتراب. {وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ:} للجزاء، والحساب. هذا؛ وخلق بني آدم من الأرض إنما هو بخلق الأب من التراب، وقد بينت ذلك، وشرحته في الآية رقم [٢٦] من سورة (الحجر)، وهذا خلق غير مباشر. وقيل: كل نطفة مخلوقة من التراب وعلى هذا يدل ظاهر القرآن، وروى أبو هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من مولود إلاّ وقد ذرّ عليه من تراب حفرته». أخرجه أبو نعيم. وقال عطاء الخراساني: إذا وقعت النطفة في الرحم؛ انطلق الملك الموكل بالرحم، فأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه، فيذرّه على النطفة، فيخلق الله النسمة من النطفة، ومن التراب.

هذا؛ وهناك خلق مباشر من الأرض، وذلك إذا عرفنا: أن النطفة المادة التي يتخلق منها ابن آدم من الدم، والدم مصدره من الغذاء، والشراب، وهما من الأرض بلا ريب، ولا شك، وقد أشار النسفي إلى هذا حيث قال: أو لأن النطفة من الأغذية، وهي من الأرض. هذا؛ وأراد بإخراجهم من الأرض: أنه يؤلف أجزاءهم المتفرقة المختلطة بالتراب، ويردهم كما كانوا أحياء ويخرجهم إلى المحشر قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً}.

هذا؛ وقد قال الزمخشري: عدد الله على الخلق ما علق بالأرض من مرافقهم؛ حيث جعلها لهم فراشا، ومهادا يتقلبون عليها، وسوى لهم فيها مسالك، يترددون فيها كيف شاءوا، وأنبت فيها أصناف النبات التي منها أقواتهم، وعلوفات بهائمهم، وهي أصلهم الذي منه تفرعوا، وأمهم التي منها ولدوا، ثم هي كفاتهم إذا ماتوا، ومن ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تمسّحوا بالأرض فإنّها بكم برّة». انتهى. هذا؛ وخذ ما رواه ربيعة الجرشي-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:

«استقيموا، ونعمّا إن استقمتم، وحافظوا على الوضوء، فإنّ خير أعمالكم الصلاة، وتحفّظوا من الأرض، فإنها أمّكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيرا أو شرا إلاّ وهي مخبرة به». رواه الطبراني.

هذا؛ وقد ورد بأن الأرض تضم كل إنسان يدفن فيها بعد موته؛ لأنها أمه، والأم من بني آدم تضم ولدها إذا كان غائبا، وحضر، ولكن ضمة الأرض للعبد المؤمن ضمة عطف، ولطف، وشفقة، وحنان، وضمها للكافر، والفاجر، والفاسق ضمة غضب، وسخط، وقسوة، وإزعاج.

اللهم وفقنا للعمل بكتابك، وللاهتداء بهدي نبيك محمد صلّى الله عليه وسلّم.

الإعراب: {مِنْها:} متعلقان بما بعدهما. {خَلَقْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة وهي من قول الله تعالى بلا ريب، وهذا ممّا يقوي: أن الكلام: {فَأَخْرَجْنا..}. إلخ هنا إنما هو من مقول الله تعالى، وليس من مقول موسى عليه السّلام، وجملة: {وَفِيها نُعِيدُكُمْ} معطوفة عليها، وكذا جملة: {وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ} معطوفة عليها، وهو ظاهر. {تارَةً:} نائب مفعول

<<  <  ج: ص:  >  >>