الشرح: ذكر الله في هذه الآية القسم الثاني من الناس، وهم الذين تابوا توبة فاسدة، وهم اليهود، فإنّهم كفروا بعيسى، وبالإنجيل بعد الإيمان بموسى، وبالتوراة، ثم ازدادوا كفرا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن. أو: هم اليهود، والنصارى جميعا، وذلك أنّهم كفروا بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأوه بعد إيمانهم به قبل مبعثه؛ لما ثبت عندهم من نعته، وصفته في كتبهم، ثمّ ازدادوا كفرا بتبديلهم، وتحريفهم التوراة، والإنجيل. ومثل هذه الآية ما ذكره الله بشأن المنافقين في قوله تعالى في سورة (النساء): {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً..}. إلخ.
{لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ:} لقد اختلف المفسّرون في معنى هذه الجملة، فقال الحسن البصري، وعطاء، وقتادة، والسدي: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، وهو وقت الحشرجة؛ لأنّ الله تعالى قال في سورة (النساء): {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنّهم الذين ارتدوا، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم، والكفر في ضمائرهم. وقال أبو العالية: هم قوم تابوا من ذنوب عملوها في حال الشّرك، ولم يتوبوا من الشّرك، فإن توبتهم في حال الشرك غير مقبولة.
وقيل غير ذلك. والأول أولى بالاعتبار. وانظر آية (النساء) رقم [١٧ و ١٨]. {وَأُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ} أي: الخارجون عن منهج الحقّ إلى طريق الغيّ.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الَّذِينَ:} اسمها. {كَفَرُوا:} فعل ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {بَعْدَ:} ظرف زمان متعلق بما قبله، وهو مضاف، و {إِيمانِهِمْ} مضاف إليه، والهاء في محل جر بالإضافة. {ثُمَّ:} حرف عطف. {اِزْدادُوا:} ماض، وفاعله، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها.
{كُفْراً:} تمييز. وقيل: مفعول به، ولا وجه له. {لَنْ:} حرف ناصب. {تُقْبَلَ:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب {لَنْ}. {تَوْبَتُهُمْ:} نائب فاعله، والهاء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر:{إِنَّ} والجملة الاسمية مبتدأة لا محل لها. {وَأُولئِكَ هُمُ الضّالُّونَ:} انظر إعراب مثلها في الآية رقم [٨٢] والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، وهي مؤكدة لمضمونها.
تنبيه: لم تدخل الفاء في خبر: {إِنَّ} هنا. ودخلت في الآية التالية؛ لأنّ الكلام فيها مبني على الشرط، والجزاء، وأنّ سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر بخلافه هنا؛ لأن الكلام مبتدأ، وخبر، ولا دليل فيه على التسبب، كما تقول: الذي جاءني له درهم. لم تجعل