إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
وهذا هو الشاهد رقم [٣٩٨] من كتابنا فتح القريب المجيب. {بَيْنَ:} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة الموصول، و:{بَيْنَ} مضاف، و:{يَدَيْهِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه مثنى لفظا. {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {اللهَ:} اسمها.
{بِعِبادِهِ:} متعلقان ب (خبير)، أو ب:{بَصِيرٌ} على التنازع، والهاء في محل جر بالإضافة.
الشرح: مناسبة الآية لما قبلها: لما أثنى الله تعالى على الذين يتلون كتاب الله؛ ذكر هنا انقسام الأمة الإسلامية أمام هذا الكنز الثمين، والفضل العظيم إلى ثلاثة أقسام: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات، ثم ذكر مآل الأبرار، والفجار، ليظل العبد بين الرجاء، والخوف، والرغبة، والرهبة.
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا:} أعطينا. {الْكِتابَ:} القرآن. والمعنى: أوحينا إليك القرآن يا محمد، ثم، أورثناه من بعدك لأمتك؛ ليعملوا بما فيه، ويهتدوا بهديه. هذا؛ وفي قوله:{أَوْرَثْنَا} استعارة تبعية، شبه إعطاء الكتاب إياهم من غير كد، وتعب في وصوله إليهم بتوريث الوارث؛ أوليس من لازم وراثة الكتاب مراعاته حق رعايته، لقوله تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ} وفي الشهاب: وتوريث الكتاب للجهال كتوريث بعض الورثة السفهاء المضيعين لما ورثوه. انتهى.
جمل. وأضيف: أن في الآية من المحسنات البديعية فن الجمع مع التقسيم، وهو أن يجمع المتكلم بين شيئين، أو أكثر في حكم، ثم يقسم ما جمعه، أو يقسم أولا، ثم يجمع، فالأول كالآية المذكورة، ومثلها قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} الآية رقم [١٠٥] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، والثاني كما في قوله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ} الآية رقم [٩٠] من سورة (المائدة) وقال الراجز: [الرجز] إنّ الشّباب والفراغ والجده... مفسدة للمرء أيّ مفسده
{الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا} أي: اخترنا، واشتقاقه من الصفو، وهو: الخلوص من شوائب الكدر، وأصل الفعل:(اصتفونا) فأبدلت التاء طاء، والواو ياء. والمراد من عبادنا: أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم. قاله ابن عباس، وغيره. قال النسفي: وهم أمته من الصحابة، والتابعين، وتابعيهم،