للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى: لكن. {عِبادَ:} استثناء منقطع؛ لأنّ ما قبله وعيد، وهم لم يدخلوا في هذا الوعيد، و {عِبادَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {الْمُخْلَصِينَ:} صفة: {عِبادَ} منصوب مثله. هذا؛ وقال أبو السعود: هذا الكلام من هنا إلى قوله تعالى: {وَإِنّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} من كلام الملائكة، وعلى هذا فالاستثناء من واو الجماعة بقوله: {يَصِفُونَ} والمعنى يصفه هؤلاء بذلك، ولكن المخلصون برآء من أن يصفوه به. أو هو استثناء منقطع من المحضرين معناه: ولكن المخلصين ناجون من النار، و {سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ} اعتراض بين الاستثناء، وبين ما وقع منه. انتهى. نسفي بتصرف. وما قاله أبو السعود، أولى بالاعتبار؛ ليبقى الكلام من قوله: {سُبْحانَ..}. إلخ من كلام الملائكة كما رأيت، وقول النسفي مأخوذ من قول الزمخشري، والبيضاوي جاراه في ذلك.

{فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)}

الشرح: {فَإِنَّكُمْ} خطاب لأهل مكة. {وَما تَعْبُدُونَ} أي: من الأصنام، والآلهة الباطلة. {ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أي: على الله. {بِفاتِنِينَ} أي: بمضلين أحدا. ومعنى هذه الآية: فإنكم ومعبوديكم ما أنتم، وهم جميعا بفاتنين على الله إلا أصحاب النار؛ الذين سبق في علمه: أنهم لسوء أعمالهم يستوجبون أن يصلوها. ومعنى: يفتنونهم على الله: يفسدونهم عليه بإغوائهم، واستهزائهم، من قولك: فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه، وخببها عليه. «إلا من هو صالي الجحيم» أي: إلا من سبق له في علم الله تعالى الأزلي الشقاوة، وأنه سيدخل النار. هذا؛ وقرأ الحسن شاذا برفع صال، وأنا أثبت الياء في الرسم على الأصل. ولا تنس الالتفات من الغيبة في الآيات السابقة إلى الخطاب في هذه الآيات، وانظر الالتفات في الآية رقم [١٣٥].

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: في هذه الآية ردّ على القدرية. قال عمرو بن ذر: قدمنا على عمر بن عبد العزيز-رحمه الله تعالى-، فذكر عنده القدر، فقال عمر: لو أراد الله ألاّ يعصى؛ ما خلق إبليس، وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلك لعلما في كتاب الله عز وجل، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، ثم قرأ قوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ} إلا من كتب الله عليه أن يصلى الجحيم. وقال: فصلت هذه الآية بين الناس، وفيها من المعاني: أن الشياطين لا يصلون إلى إضلال أحد إلا من كتب الله عليه أنه لا يهتدي؛ ولو علم الله أنه يهتدي لحال بينه وبينهم، وعلى هذا قوله تعالى: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} رقم [٦٤] من سورة (الإسراء) أي: لست تصل منهم إلى شيء إلا إلى ما في علمي، وقال لبيد-رضي الله عنه-في تثبيت القدر، فأحسن: [الرمل]

إنّ تقوى ربّنا خير نفل... وبإذن الله ريثي وعجل

أحمد الله فلا ندّ له... بيديه الخير ما شاء فعل

<<  <  ج: ص:  >  >>