للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه: اختلف في حكم هذه الآية، هل هو منسوخ أم لا؟ فقال قتادة وعكرمة والحسن: حكمها منسوخ بآية السيف، وقالوا: نسخت سورة براءة كل موادعة حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وقيل: إن حكمها غير منسوخ لكن الآية تتضمن الأمر بالصلح، إذا كان فيه مصلحة ظاهرة للمسلمين، فإن رأى الإمام أن يصالح أعداءه من الكفار، وفيه قوة، فلا يجوز أن يهادنهم أكثر من سنة، وإن كانت القوة للمشركين جاز أن يهادنهم عشر سنين، ولا تجوز الزيادة عليها اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

والمعتمد: أنه يجوز المهادنة مع قوة المسلمين، وشدة شكيمتهم، فقد هادن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أهل خيبر، وهادن الضمري في غزوة الأبواء، وهادن أكيدر سيد بني كندة، وما زالت الخلفاء والصحابة على هذه السبيل التي شرحناها سالكة، وبالوجوه التي شرحناها عاملة، فقد صالح أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من الأئمة كثيرا من بلاد العجم، على ما أخذوه منهم وتركوهم على ما هم فيه، وهم قادرون على استئصالهم. انتهى. قرطبي بتصرف كبير.

الإعراب: {وَإِنْ}: الواو: حرف استئناف. (إن): حرف شرط جازم. {جَنَحُوا}: ماض مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، الواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لِلسَّلْمِ،} متعلقان بما قبلهما. {فَاجْنَحْ}: الفاء: واقعة في جواب الشرط. (اجنح): أمر، وفاعله مستتر فيه تقديره:

«أنت». {لَها}: جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وجملة: {فَاجْنَحْ لَها} في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها؛ لأنها لم تحل محل المفرد، وجملة:

{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} معطوفة على جملة جواب الشرط، وإن ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.

{إِنَّهُ}: حرف مشبه بالفعل، والهاء اسمها. {هُوَ}: فيه ثلاثة أوجه: الأول اعتباره توكيدا لاسم (إنّ) على المحل. والثاني: اعتباره ضمير فصل لا محل له من الإعراب. وعلى هذين الوجهين فالسميع خبر إن. الثالث: اعتباره مبتدأ، و {السَّمِيعُ} خبره، و {الْعَلِيمُ} خبر ثان، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية: {إِنَّهُ..}. إلخ تعليل للأمر، لا محل لها من الإعراب. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)}

الشرح: {وَإِنْ يُرِيدُوا} أي: الكفار. {أَنْ يَخْدَعُوكَ}: بأن يظهروا لك السلم والمهادنة، ويبطنوا الغدر والخيانة، فاجنح لما طلبوا ظاهرا، وما عليك من نياتهم الفاسدة، وما أحراك أن تنظر الخداع

<<  <  ج: ص:  >  >>