للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ (٢٥)}

الشرح: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ}: لما ذكر الله أحوال السعداء، وما أعد لهم من الكرامات والخيرات، ذكر بعده أحوال الأشقياء، وما أعد لهم من العقوبات، ومعنى {مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} من بعد ما أوثقوه على أنفسهم بالاعتراف بربوبيته، والقبول لعهده الذي أخذه عليهم في عالم الذر، أو بالذي أودعه فيهم من العقول، وغيرها مما ميزوا به عن عالم الحيوانات والجمادات، {وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} أي: من الإيمان بالرسول صلّى الله عليه وسلّم، وصلة الأرحام، وموالاة المؤمنين، وعدم التفرقة بين الرسل والكتب في التصديق. {وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}: بالكفر والمعاصي والظلم وإثارة الفتن. {أُولئِكَ} أي: الموصوفون بما ذكر. {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} أي: الطرد من رحمة الله. {وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ} أي: سوء المنقلب والمرجع والمآب، وهو جهنم وبئس القرار.

تنبيه: لقد كرر الله لعن الكفار في الآية رقم [١٦١] من سورة (البقرة)، كما لعن الظالمين والكاذبين، والناقضين للعهد والميثاق في آيات متفرقة، وهو دليل قاطع على أن من مات على كفره فقد استحق اللعن من الله والناس أجمعين، وأما الأحياء من الكفار فقد قال العلماء:

لا يجوز لعن كافر معين؛ لأن حاله عند الوفاة لا يعلم، فلعله يموت على الإسلام، وقد شرط الله في آية البقرة إطلاق اللعنة على من مات على الكفر، ويجوز لعن الكفار، أي: جملة بدون تعيين، كما في قولك: لعن الله الكافرين، يدل عليه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشّحوم، فجمّلوها وباعوها». وذهب بعضهم إلى جواز لعن إنسان معين من الكفار، بدليل جواز قتاله. وهو الصحيح، كيف لا؟ وقد لعن حسان بن ثابت رضي الله عنه أبا سفيان، وزوجه هندا في شعره ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، خذ قوله: [الكامل]

لعن الإله وزوجها معها... هند الهنود طويلة البظر

وقد لعن الفاروق-رضي الله عنه-أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور السلمي وغيرهم الذين قدموا المدينة، بعد موقعة أحد، وقد أعطاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم الأمان على أن يكلموه، فقام معهم جماعة من المنافقين، وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ارفض ذكر آلهتنا، وقل: إن لها شفاعة لمن عبدها، وندعك وربك، فشق ذلك على سيد الخلق وحبيب الحق، فقال الفاروق: يا رسول الله ائذن لي في قتلهم، فقال: «إني أعطيتهم الأمان». فقال الفاروق: اخرجوا في لعنة الله وغضبه، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، كيف لا؟ وآية اللعان في سورة (النور) تأمر المسلم أن يلعن نفسه إن كان من الكاذبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>