وقال أبو بكر الوراق: فروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن. {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ} أي: من عذابه، وعقابه المعد لمن أشرك، أو عصى. {نَذِيرٌ:} مخوف. {مُبِينٌ} أي: بين الرسالة بالحجة الظاهرة، والمعجزة الباهرة، والبرهان القاطع. {وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} أي:
وحّدوه، ولا تشركوا به شيئا. {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ:} قيل: إنما كرر هذه الجملة عند الأمر بالطاعة، والنهي عن الشرك ليعلم: أن الإيمان لا ينفع إلا مع العمل، كما أن العمل لا ينفع إلا مع الإيمان، وأنه لا يفوز برضا الله، ودخول الجنة إلا الجامع بينهما، ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٥٨]: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً}. انتهى. خازن بتصرف. وهذا ذكرته مرارا، وسميته بالاحتراس. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {فَفِرُّوا:} الفاء: هي الفصيحة؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، التقدير: إذا علمتم:
أن الله فرد لا نظير له؛ ففروا إليه، ووحدوه، ولا تشركوا به شيئا. والكلام كله في محل نصب مقول القول لقول مقدّر، كأنه قيل: قل لهم: إذا كان الأمر كذلك؛ ففروا... إلخ، (فروا): أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله. {إِلَى اللهِ:} متعلقان بما قبلهما. {إِنِّي:} حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم: اسمها. {لَكُمْ مِنْهُ:} جار ومجرور كلاهما متعلقان ب: {نَذِيرٌ} بعدهما.
{نَذِيرٌ:} خبر (إن). {مُبِينٌ:} صفة له، والجملة الاسمية: {إِنِّي،} تعليل للأمر، وهي من جملة مقول القول المقدر.
{وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا تجعلوا): مضارع مجزوم ب: (لا) الناهية، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق. {مَعَ:} ظرف مكان متعلق بما قبله. وقيل: مفعول به ثان مقدم على الأول، و {مَعَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه.
{إِلهاً:} مفعول به. {آخَرَ:} صفة له، والجملة: (لا تجعلوا...) إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول أيضا.
{كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)}
الشرح: {كَذلِكَ:} الإشارة إلى تكذيب قريش النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتسميتهم إياه ساحرا، أو مجنونا، وفيه تسلية له صلّى الله عليه وسلّم؛ أي: كما كذبك قومك، وقالوا: ساحر، أو مجنون؛ كذب من قبلهم، وقالوا مثل قولهم. {ما أَتَى الَّذِينَ..}. إلخ: فهذا تفسير لفحوى الإشارة المذكورة.
الإعراب: {كَذلِكَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: الأمر، والشأن، والقصة مثل ذلك. وإن اعتبرت المحل للكاف فلست مفندا، وتكون مضافة، واسم الإشارة في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محلّ له. هذا؛ وأجيز