للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبله مجرور مثله، وعلامة الجر فيهما الياء؛ لأنّهما جمعا مذكر سالمان، وعطف ({الْعاكِفِينَ}) على (الطائفين) لتباين ما بينهما، بخلاف (الركع) و (السجود) فإنّ المراد بهما شيء واحد، وهو الصّلاة؛ إذ لو عطف؛ لتوهم: أنّ كلاّ منهما عبادة على حيالها. هذا؛ والصّفات كلها لموصوف محذوف، وجملة: {طَهِّرا} لا محل لها؛ لأنها تفسير لقوله: ({عَهِدْنا}). هذا قول الجمهور، وقال الشلوبين: بحسب ما تفسره. وهو جيد. وجملة: ({عَهِدْنا}) معطوفة على جملة: {جَعَلْنَا} فهي في محل جر مثلها.

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اِجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَاُرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)}

الشرح: {وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً} أي: ذا أمن، يأمن فيه أهله. وإنّما دعا إبراهيم له بالأمن؛ لأنه بلد ليس فيه زرع، ولا ثمر، وإذا لم يكن آمنا؛ لم يجلب إليه شيء من النواحي البعيدة، فأجاب الله دعاء إبراهيم له بالأمن، فما قصده جبّار، إلا قصمه الله تعالى، كما فعل بأصحاب الفيل.

قال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: فروي: أنه لمّا دعا بهذا الدّعاء؛ أمر الله تعالى جبريل عليه السّلام، فاقتلع الطّائف من الشّام، فطاف بها حول البيت أسبوعا، فسمّيت الطّائف لذلك، ثم أنزلها تهامة، وكانت مكّة وما يليها حين ذلك قفرا، لا ماء، ولا نبات، فبارك الله فيما حولها، كالطّائف، وغيرها، وأنبت فيها أنواع الثّمار. ثمّ قال: ولقد جعل فيها سبحانه من العلامة العظيمة على الأمن في مكة ما شوهد من أمر الصيد فيها، فيجتمع فيها الكلب، والصيد، فلا يهيج الكلب الصّيد، ولا ينفر منه؛ حتى إذا خرجا من الحرم عدا الكلب على الصيد، وعاد إلى النفور، والهرب. انتهى.

وفي بيان هذا الأمن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السّماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنّه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يختلى خلاها». فقال العباس-رضي الله عنهما-: يا رسول الله! إلا الإذخر، فإنّه لقينهم، ولبيوتهم، فقال: «إلا الإذخر». أخرجه البخاريّ، ومسلم عن عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنه. والقين: الحدّاد، ويختلى خلاه: يقطع النبات الّذي ينبت بنفسه.

{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: ليقبلوا على طاعتك، ويتفرّغوا لعبادتك. وخصّ بدعوته المؤمنين فقط. قال الخليل-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف

<<  <  ج: ص:  >  >>