فمن الأول قوله تعالى: {وَالْعادِياتِ..}. إلخ الآيات؛ التي نحن بصدد شرحها. وقوله تعالى في سورة (الحديد) رقم [١٨]: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ..}. إلخ وقال: ومن الثاني قول الشاعر: [الطويل]
فألفيته يوما يبير عدوّه... ومجر عطاء يستحقّ المعابرا
ف: «مجر عطاء» معطوف على: «يبير»، وقول الشاعر: [الرجز]
بات يعشّيها بعضب باتر... يقصد في أسوقها وجائر
ف: «جائر» معطوف على: «يقصد». {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً:} معطوف على ما قبله، وهو مثله في الإعراب والتقدير، و {جَمْعاً} مفعول به. وأغرب مكي كل الغرابة حيث قال: حال. وقاله أبو البقاء أيضا.
{إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)}
الشرح: {إِنَّ الْإِنْسانَ:} اللام للجنس؛ أي: جنس الإنسان. وقيل: المراد: الكافر.
{لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لكفور جحود لنعم الله. وكذلك قال الحسن البصري-رحمه الله تعالى-. وقال: يذكر النقم، وينسى النعم. أخذه الشاعر فنظمه: [السريع]
يا أيها الظّالم في فعله... والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتّى متى؟ ... تشكو المصيبات وتنسى النّعم
وروى أبو أمامة الباهلي-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الكنود: هو الذي يأكل، ويمنع رفده، ويضرب عبده». الرفد بكسر الراء: العطاء، والصلة. وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أنبئكم بشراركم؟». قالوا: بلى يا رسول الله! قال:
«من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده». خرجهما الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-أيضا: أنه قال: الكنود بلسان كندة وحضرموت: العاصي.
وبلسان ربيعة، ومضر: الكفور. وبلسان كنانة: البخيل السيئ الملكة. وقاله مقاتل. وقال الشاعر: [الطويل]
كنود لنعماء الرجال ومن يكن... كنودا لنعماء الرجال يبعّد
وقال إبراهيم بن هرمة: [الوافر]
دع البخلاء إن شمخوا وصدّوا... وذكرى بخل غانية كنود