للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} أي: غبارا. يعني: الخيل تثير الغبار بشدة العدو في المكان الذي أغارت به، والضمير في (به) يرجع إلى المكان، أو إلى الموضع الذي تقع فيه الإغارة. وإذا علم المعنى جاز أن يكنّى بما لم يجر له ذكر بالتصريح، كما قال تعالى: {كَلاّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ} رقم [٢٦] من سورة (القيامة)، انظر شرحها، ففيه الكفاية. وعلى قول علي-رضي الله عنه-يثور الغبار في ذلك المكان من أخفاف الإبل.

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} أي: فوسطن بركبانهن العدوّ؛ أي: الجمع الذي أغاروا عليهم. وعلى قول علي-رضي الله عنه-. (فوسطن به جمعا) يعني: مزدلفة سميت: جمعا لاجتماع الناس فيها. وانظر ما ذكرته في أول سورة (الشمس) بشأن المقسم به؛ تجد ما يسرك.

هذا؛ وتفرد البيضاوي بقوله: ويحتمل أن يكون القسم بالنفوس العادية أثر كمالهنّ، الموريات بأفكارهنّ أنوار المعارف، المغيرات على الهوى، والعاديات إذا ظهر لهنّ مبدأ أنوار القدس، فأثرن به شوقا، فوسطن به جمعا من جموع العليين. انتهى.

الإعراب: {وَالْعادِياتِ:} جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: أقسم. {ضَبْحاً:}

مفعول مطلق لفعل محذوف، التقدير: تضبح ضبحا، والجملة الفعلية هذه في محل نصب حال من العاديات. {فَالْمُورِياتِ:} الفاء: حرف عطف. (الموريات): معطوف على (العاديات) وفاعلهما مستتر فيه. {قَدْحاً:} مفعول به للموريات. {فَالْمُغِيراتِ:} معطوف على ما قبله. وفاعله مستتر فيه. {صُبْحاً:} ظرف زمان متعلق ب‍: (المغيرات). هذا؛ وقيل: {صُبْحاً:} مصدر في موضع الحال، مثل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً} لأنه بمعنى: غائرا. وقيل:

{قَدْحاً} منصوب على الحال أيضا، فالمعنى: قادحات.

(أثرن): فعل ماض مبني على السكون، والنون فاعله. {بِهِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {نَقْعاً:} مفعول به. هذا؛ والفعل (أثرن) معطوف على الأسماء السابقة. وهو عطف فعل على اسم، وساغ ذلك؛ لأن الأسماء السابقة في تقدير الفعل؛ إذ المعنى: التي تعدو، والتي توري، والتي تغير، والتي تثير. أو المعنى: اللاتي عدون، واللاتي قدحن، واللاتي أغرن، واللاتي أثرن. هذا؛ وقال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته رقم [٩٥]: [الوافر]

وأنّا الشّاربون الماء صفوا... ويشرب غيرنا كدرا وطينا

إذ المعنى: وأنا الذين يشربون الماء، ويشرب... إلخ. هذا؛ وقال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

واعطف على اسم شبه فعل فعلا... وعكسا استعمل تجده سهلا

قال ابن عقيل-رحمه الله تعالى-في شرح هذا البيت: يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل، كاسم الفاعل، ونحوه. ويجوز أن يعطف على الفعل الواقع موقع الاسم اسم،

<<  <  ج: ص:  >  >>