يكسوه لحما، ثم ينشئه خلقا آخر، انظر سورة (المؤمنون) الآية رقم [١٢] وما بعدها. وقيل: إن الله تعالى جعل في النطفة أخلاطا من الطبائع، التي تكون في الإنسان، من الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، فعلى هذا يكون التقدير: من نطفة ذات أمشاج، وخذ ما يلي:
فعن أبي أيوب-رضي الله عنه-قال: جاء حبر من اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: أخبرني عن ماء الرجل، وماء المرأة، فقال:«ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا ماء المرأة آنثت، وإذا علا ماء الرّجل أذكرت». فقال الحبر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله.
{نَبْتَلِيهِ:} نختبره بالأوامر، والنواهي، والخير، والشر من صحة، ومرض، من فقر وغنى... إلخ. {فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً:} قال الفراء: فيه تقديم، وتأخير، التقدير: فجعلناه سميعا بصيرا؛ لنبتليه؛ لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة. وقال الزمخشري: هو من التعسف.
ورد في بعض الكتب: أن الله سبحانه وتعالى يقول: يابن آدم! جعلت لك قرارا في بطن أمّك، وغشيت وجهك بغشاء لئلا تفزع من الرحم، وجعلت لك متكأ عن يمينك، ومتكأ عن شمالك، فأما الذي عن يمينك؛ فالطحال، وأمّا الذي عن شمالك؛ فالكبد، وعلمتك القيام، والقعود في بطن أمّك، فهل يقدر على ذلك أحد غيري، فلما أن تمت مدة حملك؛ أوحيت إلى الملك الموكل بالأرحام أن يخرجك، فأخرجك على ريشة من جناحيه، لا لك سنّ تقطع، ولا يد تبطش، ولا قدم تسعى بها، وأنبعت لك عرقين في صدر أمّك، يجريان لبنا خالصا، حارا في الشتاء، باردا في الصيف، وألقيت محبتك في قلب أبويك، فلا يشبعان؛ حتى تشبع، ولا يرقدان؛ حتى ترقد، فلمّا أن قوي ظهرك، واشتدّ أزرك؛ بارزتني بالمعاصي، واعتمدت على المخلوقين، ولم تعتمد عليّ، وتسترت ممّن يراك، وبارزتني بالمعاصي في خلواتك، ولم تستح مني، ومع هذا: إن دعوتني؛ أجبتك، وإن سألتني؛ أعطيتك، وإن تبت، وارتجعت إليّ؛ قبلتك.
الإعراب:{إِنّا:} حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {خَلَقْنَا:} فعل، وفاعل. {الْإِنْسانَ:} مفعول به. {مِنْ نُطْفَةٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال من {الْإِنْسانَ} أي: مخلوقا من نطفة. والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية مبتدأة، أو مستأنفة، لا محل لها. {أَمْشاجٍ:} صفة {نُطْفَةٍ} ووقع الجمع صفة لمفرد؛ لأنه في معنى الجمع كما رأيت في الشرح، وأجيز اعتباره بدلا من {نُطْفَةٍ}. {نَبْتَلِيهِ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل، والفاعل مستتر فيه وجوبا، تقديره:«نحن»، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من (نا) أي: خلقناه مبتلين له؛ بمعنى: مريدين ابتلاءه، فهي حال مقدرة، كقولك: مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، تريد قاصدا به لصيد غدا، ويجوز أن يراد: ناقلين له من حال إلى حال.