للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣)}

الشرح: هذه الآية مذكورة في سورة (يوسف) رقم [٢] بحروفها مع إبدال {جَعَلْناهُ} هنا بأنزلناه هناك. هذا؛ و (قرآن) مشتق من: قريت الماء في الحوض: إذا جمعته، فكأنه قد جمع فيه الحكم، والمواعظ، والآداب، والقصص، والفروض، وجميع الأحكام، وكملت فيه جميع الفوائد الهادية إلى طرق الرشاد. وهو في اللغة مصدر بمعنى: الجمع، يقال: قرأت الشيء قرآنا: إذا جمعته. وبمعنى: القراءة، يقال: قرأت الكتاب قراءة، وقرآنا، ثم نقل إلى هذا المجموع المقروء المنزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم، المنقول عنه بالتواتر فيما بين الدفتين، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختتم بسورة (الناس). وهذا التعريف متفق عليه بين العلماء، والأصوليين، أنزله الله تبارك وتعالى ليكون دستورا للأمة، وهداية للخلق، وليكون آية على صدق الرسول، وبرهانا ساطعا على نبوته، ورسالته، وحجة قائمة إلى يوم الدين، تشهد بأنه تنزيل الحكيم الحميد، بل هو المعجزة الخالدة؛ التي تتحدى الأجيال والأمم على كرّ الأزمان، ومرّ الدهور، ولله درّ شوقي إذ يقول: [البسيط]

جاء النبيون بالآيات فانصرمت... وجئتنا بكتاب غير منصرم

آياته كلما طال المدى جدد... يزينهنّ جمال العتق والقدم

وللقرآن أسماء عديدة كلها تدل على رفعة شأنه، وعلو مكانته، وعلى أنه أشرف كتاب سماوي على الإطلاق، فيسمى: القرآن، والفرقان، والتنزيل، والذكر، والكتاب... إلخ. كما وصفه الله تبارك وتعالى بأوصاف جليلة عديدة، منها: نور، وهدى، ورحمة، وشفاء، وموعظة، وعزيز، ومبارك، وبشير، ونذير إلى غير ذلك من الأوصاف التي تشعر بعظمته، وقدسيته. ويحرم على المحدث حدثا أكبر قراءته وحمله، ومسه، وعلى المحدث حدثا أصغر حمله، ومسه، ولا يمنع من قراءته عن ظهر قلب. قال تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}.

هذا؛ وقال تعالى: {إِنّا جَعَلْناهُ} .. {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: بلغتكم يا معشر قريش لكي تعلموا معانيه، وتفهموا ما فيه، فعلى هذا يكون خاصا للعرب دون العجم. قاله ابن عيسى.

وقال ابن زيد: المعنى: لعلكم تتفكرون، فعلى هذا يكون خطابا عاما للعرب، والعجم. ويؤخذ من هذه الآية أنّه يجوز إطلاق اسم القرآن على بعضه؛ لأنّ سورة (الزخرف) وسورة (يوسف) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام بعض القرآن، ولأنه اسم جنس يقع على الكل، والبعض. واختلف: هل يمكن أن يقال: في القرآن شيء بغير العربية، فأنكر أبو عبيدة على من يقول ذلك أشد النكير، وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة-رضي الله عنهم-أنّ فيه من

<<  <  ج: ص:  >  >>