للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)}

الشرح: {بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ} أي: جاء محمد صلّى الله عليه وسلّم بالحق من عند ربه. {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} أي:

صدقهم فيما أخبروا عنه من الصفات الحميدة، والمناهج السديدة، وأخبر عن الله تعالى في شرعه، وأمره، كما أخبروا. {إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ} أي: بسبب شرككم، وتكذيبكم الرسول، وافترائكم عليه المفتريات، مثل قولكم: شاعر، ساحر، مجنون. قال أبو حيان -رحمه الله تعالى-: جمع المشركون بين إنكار الوحدانية، وإنكار الرسالة، ثم خلطوا في كلامهم بقولهم: شاعر مجنون، فإن الشاعر عنده من الفهم والحذق ما ينظم به المعاني الغريبة، ويصوغها في قالب الألفاظ البديعة، ومن كان مجنونا لا يصل إلى شيء من ذلك، فكلامهم تخليط، وهذيان. {وَما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: لا تعاقبون إلا جزاء مثل عملكم. قال الصاوي: لأن الشر يكون جزاؤه بقدره، بخلاف الخير؛ فجزاؤه بأضعاف مضاعفة.

{إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ} أي: لكن عباد الله المخلصين الموحدين، فإنهم لا يذوقون العذاب، ولا يناقشون الحساب، بل يتجاوز الله عن سيئاتهم، ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف، ثم أخبر عن جزائهم بما يلي. فهو استثناء منقطع بهذا الاعتبار، فهو مثل قوله تعالى في سورة (المدثر): {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ}.

هذا؛ و (الذوق) يكون محسوسا، ومعنى، وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار. تقول: اركب هذا الفرس، فذقه، أي: اختبره، وانظر فلانا، فذق ما عنده. قال الشماخ يصف قوسا: [الطويل] فذاق فأعطته من اللّين جانبا... كفى ولها أن يغرق السّهم حاجز

وقد يعبر بالذوق عما يطرأ على النفس، وإن لم يكن مطعوما لإحساسها به، كإحساسها بذوق المطعوم، قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي: [الطويل]

فذق هجرها إن كنت تزعم أنّها... فساد ألا يا ربّما كذب الزّعم

وتقول: ذقت ما عند فلان؛ أي: خبرته، وذقت القوس: إذا جذبت وترها؛ لتنظر ما شدتها؟ وأذاقه الله وبال أمره؛ أي: عقوبة كفره، ومعاصيه. قال طفيل بن سعد الغنوي: [الطويل]

فذوقوا كما ذقنا غداة محجّر... من الغيظ في أكبادنا والتّحوّب

وتذوقته؛ أي: ذقته شيئا بعد شيء، وأمر مستذاق؛ أي: مجرب معلوم، قال الشاعر: [الوافر] وعهد الغانيات كعهد قين... ونت عند الجعائل مستذاق

وأصله من الذوق بالفم. و (ذوقوا) في كثير من الآيات للإهانة، وفيه استعارة تبعية تخييلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>