وثنى بتعظيم الآخرة، والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن المستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها، وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف، وينشط لما يزلف، ثم وازن بين الدعوتين: دعوته إلى دين الله، الذي ثمرته النجاة، ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد، الذي عاقبته النار، وحذر، وأنذر، واجتهد في ذلك، واحتشد. لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم، وعبرة للمعتبرين، وهو قوله تعالى في آخر هذه الآيات:{فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ}.
الإعراب:{وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ:} انظر الآية رقم [٢٩] و [٣٠]. {اِتَّبِعُونِ:} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة للتخفيف، وبعضهم قرأ بإثباتها مفعول به. {أَهْدِكُمْ:} فعل مضارع مجزوم لوقوعه جوابا للأمر، وعند الجمهور مجزوم بشرط محذوف، التقدير: إن تتبعون؛ أهدكم، والفاعل مستتر تقديره:«أنا» والكاف مفعول به أول. {سَبِيلَ:} مفعول به ثان، و {سَبِيلَ} مضاف، و {الرَّشادِ} مضاف إليه، والكلام:{يا قَوْمِ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{وَقالَ..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا.
الشرح:{يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ} أي: يتمتع بها قليلا، ثم تنقطع، وتزول، وانظر الآية رقم [١٤٨] من سورة (الصافات). {وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ} أي: الاستقرار، والخلود، ومراده بالدار الآخرة: الجنة، والنار؛ لأنهما لا يفنيان. والمعنى: أن الدنيا فانية منقرضة، لا منفعة فيها، وأن الآخرة باقية دائمة، والباقي خير من الفاني. قال بعض العارفين:
لو كانت الدنيا ذهبا فانيا، والآخرة خزفا باقيا؛ لكانت الآخرة خيرا من الدنيا، فكيف والدنيا خزف، والآخرة ذهب باق؟!
الإعراب:{يا قَوْمِ:} انظر الآية رقم [٢٩]. {إِنَّما:} كافة ومكفوفة. {هذِهِ:} اسم إشارة مبني على السكر في محل رفع مبتدأ، والهاء حرف تنبيه، لا محل له. {الْحَياةُ:} بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عليه. {الدُّنْيا:} صفة {الْحَياةُ} مرفوع مثله، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر. {مَتاعٌ:} خبر المبتدأ. {وَإِنَّ:} الواو: حرف عطف. (إنّ): حرف مشبه بالفعل. {الْآخِرَةَ:} اسم (إنّ). {هِيَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
{دارُ:} خبر المبتدأ، و {دارُ} مضاف، و {الْقَرارِ} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ). هذا؛ وإن اعتبرت الضمير فصلا؛ ف:{دارُ الْقَرارِ} خبر (إنّ)، والآية الكريمة بكاملها من مقول الرجل المؤمن.