{ما}: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء، وهل هو متصل، أو منقطع خلاف، انظر الشرح، والجملة الفعلية بعدها صلتها، والعائد محذوف؛ إذ التقدير:
إلا الذي شاءه ربك، هذا؛ وقيل: إن {إِلاّ} حرف عطف بمعنى الواو، وهو غريب، كما قيل:
إنها بمعنى (غير) على حد قول عمرو بن معدي كرب: [الوافر]
وكلّ أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلاّ الفرقدان
{إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ}: {إِنَّ} واسمها وخبرها. {لِما}: جار ومجرور متعلقان ب {فَعّالٌ،} ف (ما):
اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام، هذا؛ وقد اعتبر ابن هشام اللام في مغنيه زائدة، وسماها لام التقوية، فإذا (ما) مجرورة لفظا منصوبة محلاّ مثل قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ،} {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ،} {مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ،} {نَزّاعَةً لِلشَّوى،} {وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ،} وأورد قول حاتم الطائي، وقيل: قول قيس بن عاصم المنقري، رضي الله عنه: [الطويل]
إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
وهذا هو الشاهد رقم [٣٩٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب».
والجملة الفعلية بعد (ما) صلتها، والعائد محذوف؛ إذ التقدير: فعال للذي يريده، والجملة الاسمية: {إِنَّ رَبَّكَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)}
الشرح: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} أي: وجبت لهم الجنة بمقتضى الوعد المترتب على الإيمان والطاعة، وانظر شرح باقي الكلام في الآية السابقة، هذا؛ وقد قرئ {سُعِدُوا} بالمعلوم والمجهول. {عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي: غير مقطوع، من جذه، يجذه؛ أي: قطعه، وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع، وتنبيه على أن المراد من الاستثناء في الثواب ليس الانقطاع، ولأجله فرق بين الثواب والعقاب في التأبيد.
تنبيه: قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى: قال قوم: إن عذاب الله للكافرين منقطع، وله نهاية، واستدلوا بآية: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً} وبأن معصية الظالم متناهية، فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم، والجواب أن قوله: {أَحْقاباً} لا يقتضي أن له نهاية؛ لأن العرب يعبرون به، وبنحوه عن الدوام، ولا ظلم في ذلك؛ لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا، فعوقب دائما، ولم يعاقب بالدائم، إلا على دائم، فلم يكن عذابه، إلا جزاء وفاقا. انتهى. جمل. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.