للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين، يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها، ثم يخرجهم منها، فيكون استثناء من غير الجنس؛ لأن الذين أخرجوا من النار سعداء في الحقيقة استثناهم الله من الأشقياء، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله سبحانه وتعالى يخرج قوما من النّار بالشّفاعة فيدخلهم الجنّة». أخرجه البخاري ومسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليصيبنّ أقواما سفع من النّار بذنوب أصابوها عقوبة لهم، ثمّ يدخلهم الله الجنّة بفضله ورحمته، فيقال لهم: الجهنّميّون».

وأما الاستثناء الثاني المذكور في أهل السعادة، فيرجع إلى مدة لبث هؤلاء في النار قبل دخولهم الجنة، فعلى هذا القول يكون معنى الآية: فأما الذين شقوا ففي النار لهم زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها، فيدخلهم الجنة.

فحاصل هذا القول: أن الاستثناءين يرجع كل منهما إلى قوم مخصوصين، هم في الحقيقة سعداء أصابوا ذنوبا استوجبوا عقوبة يسيرة في النار، ثم يخرجون منها، فيدخلون الجنة؛ لأن إجماع الأمة على أن من يدخل الجنة لا يخرج منها أبدا.

وقيل: إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين: السعداء والأشقياء، وهو مدة تعميرهم في الدنيا، واحتباسهم في البرزخ، وهو ما بين الموت والبعث، ومدة وقوفهم للحساب، ثم يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار، وقيل غير ذلك، والصحيح الأول. انتهى. خازن.

{إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ} أي: من إخراج من أراد من النار، وإدخالهم الجنة، فهذا على الإجمال في حال الفريقين، فأما على التفصيل، فقوله تعالى: {إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ} في جانب الأشقياء يرجع إلى الزفير والشهيق، وتقريره أنه يفيد حصول الزفير والشهيق مع خلود؛ لأنه إذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل فيه هذا المجموع، والاستثناء في جانب السعداء يكون بمعنى الزيادة، يعني: {إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ} من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل غير ذلك، ويدل على خلود أهل الجنة في الجنة: أن الأمة مجتمعة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها، بل هو خالد فيها. انتهى. خازن.

الإعراب: {خالِدِينَ}: حال من الضمير في: {لَهُمْ} أو في: {فِيها} والعامل في الحال متعلق: {لَهُمْ} فهو منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. {فِيها}: متعلقان ب‍ {خالِدِينَ}. {ما}: ظرفية مصدرية.

{دامَتِ}: ماض تام، والتاء للتأنيث حرف لا محل له. {السَّماواتُ}: فاعل (دام). (الأرض):

معطوف على ما قبله، و {ما} والفعل (دام) في تأويل مصدر في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق ب‍ {خالِدِينَ} أيضا، التقدير: مدة دوام السموات والأرض. {إِلاّ}: أداة استثناء.

<<  <  ج: ص:  >  >>